الغرفة 77 الحلقة الثالثة
ضم كريم ياقة معطفه الكثيف ليستمد بعض الدفء منه وسط هذا البرد وهو يستند بظهره إلى أحد أعمدة الإنارة بوسط ميدان التحرير .. كان يرتجف ومشاعره كلها مبعثرة بشكل لم يعهده أو يجربه من قبل ..
كان الوقت قد انتصف منه الليل .. ولم تكن ليلة عادية أبدا .. فالمشهد لو رآه في أحد أفلام الحركة لحكم عليه بالمبالغة .. والصورة جديرة بأن يتم نقشها في لوحة أسطورية تحكي عن مرحلة تاريخية غير مسبوقة ..
في الليلة الماضية التي قضاها بالميدان كان هذا الوقت إما للسمر أو الراحة ..
ولكن هذه الليلة كانت ليلة النيران المشتعلة عليهم من كل صوب ..
فمنذ العصر وبعد دخول قوافل البعير والخيول عليهم تحمل عددا لا بأس به من محترفي الإجرام لتفريق الجمع المتوحد بالميدان منذ جمعة الغضب .. وعلى مداخل الميدان المتعددة كانت فرق الهجوم بالحجارة المقذوفة عليهم لا تكل ولا تمل .. بل يتم تغيريهم في مناوبات متصلة ورجال الميدان في مواجهة مستمرة معهم بلا راحة ..
ومن أعلى العمارات كانت قذائف اللهب تنهمر عليهم كأنما هي الشهب لتهبط عليهم في أمل أن تحرق فيهم جذوة المقاومة والصمود وربما الأمل في نجاح هذه الثورة
وأخيرا مع دخول الليل بدأت طلقات الرصاص مجهولة المصدر تحصد الأروح بعناية وانتقاء من بينهم
برودة الجو مع الخوف الشديد الذي اكتنف كريم جعل ارتعادته لا تتوقف أبدا
وأخيرا بعد إغلاق هاتفه وصمته التام لمدة عشر دقائق مع ثورة بركانيه تعتمل بداخله
قام منتصبا وعيناه تحملان تصميما جديدا عليه
وبريقا يشق طريقه إليهما لينير له دربه الجديد
واندفع الى مقدمة الصفوف ليحمل الحجارة ويقذفها ليساعد في صد الهجوم التتاري وصوته يهدر قائلا
.. (( الله أكبر .. الله أكبر .. ))
ولأن صيحته كانت تخرج من أعماق قلبه .. فقد اخترق صداها الكثير من القلوب ليشحذ فيهم الهمة ويقتل فيهم التردد أو الخوف
وبدأت الأعداد تزحف من المؤخرة للمشاركة في قوة المقدمة وهتافه لا ينقطع ..
وتقدم أحدهم ووقف بجواره ورفع جواله الى أذنه وهتف بكلمة واحدة وهو يشير نحوه ..
وبعدها بدقيقتين انطلقت رصاصة لتستقر في منتصف الرأس .
*
ولأن عهدنا بهذه الثورة أنها قلبت كل الموازين وأخرجت العملاق الساكن والراقد في قلوب الكثير من المصريين .. لن يكون جديدا ذكر أن صورة كريم هذه مغايرة تماما لما كان عليه في الأيام السابقة
كريم خريج إحدى الأكاديميات الخاصة التي أهلته ليعمل في مجاله الذي يعشقه .. وهو تصميم مواقع الانترنت وبرمجتها بشكل كامل ..
يتميز بشخصيته المرحة خفيفة الظل وتلقائيته وبساطته المعهودة .. يعطي جل وقته لعمله مع مدونته التي لا تحمل سوى ما يعشق من مواقف مرحة سواء مكتوبة أو مرئية أو مسموعة وأغان خفيفة عربية وأجنبية هي ما تعبر عن ذوقه العام ..
وبالطبع كان التفاعل معها وبها كثيفا وخاصة مع الجنس اللطيف ..
ومع خفة ظله المعهودة كانت معارفة وصداقاته معهن كثيفة ومتنوعة وكم خاض من تجارب عاطفية متنوعة جعلته أخيرا يزهد الجميع ويكتفي فقط بالمشاكسة والمسامرة ...
ومن المؤكد أنه لم يكن متابعا لأي حدث سياسي ولا يهتم به بل كان نادرا ما يتابع بعض الأخبار عبر بعض المواقع التي يعمل على صيانتها ..
فهو الابن المدلل والوحيد لوالدين من ميسوري الحال .. لديه السيارة الفارهة .. وطلباته كلها مجابة
لا ينقصه شيء .. ومن أهم الأشياء التي تربى عليها ..
ألا ينشغل ولا ينجذب لأصحاب اللحي أو من يرطنون بكلمات تتميز بمصطلحاتها الغامضة مثل الأمبريالية واليسار التقدمي وطبقة المغيبين وما إلى ذلك ..
لأن مصير كل هؤلاء حتما خلف الأسوار ..
فما الذي يجبره على مجابهة كل تلك المصاعب والمشاق وهو لا ينقصه شيء ؟
حتى أجبرته الظروف على دخول تلك المدونة ..
شاب أراد إنشاء موقع اليكتروني جديد وأثناء الاتفاق معه على شكل التصميم والإمكانات المتاحة بالموقع
طلب منه الشاب أن يضع ضمن الشكل الرئيسي في مقدمة الموقع تصميما مشابها لذلك الموجود بتلك المدونة ..
للوهلة الأولى ظن كريم بأنه أمرا تافها وأخبره بأنه سينفذه له بما يريد ..
كانت المدونة اسمها الخنساء مكتوبة بشكل جديد يملأ فراغا كبيرا من أعلى الصفحة وهناك مسافة بين حرفي النون والسين وبينهما صورة صغيرة دخل دائرة اطارها يشبه إطار الكرة الأرضية وهذه الصورة الصغيرة متغيرة بشكل مستمر ودائم وكل صورة مرتبطة بحدث إخباري منتقى بعناية من المواقع الإخبارية المتنوعة والمتخصصة ..
ظن كريم بأن الأمر يسير وهي عدة أخبار يتم وضعها في أول اليوم ثم تغييرها وتحديثها بعد عدد معين من الساعات ولكن ما أدهشة بأن الصور والأخبار المتعلقة بها لم تكن تتكرر أبدا فالحدث يعرض مرة واحدة طوال اليوم ..
ظل كريم يبحث ويفكر في الطريقة التي يمكن بها فعل ذلك وأعجزه الأمر فلجأ لأيسر الطرق الاتصال بصاحبة المدونة وسؤالها عن الطريقة أو الكود الذي نفذت به الفكرة ..
ولكن لم يأته الرد ..
أخذ يتجول بالمدونة ليتفاعل معها بالردود لكي يلفت انتباه صاحبهتا اليه وبعدها يطالبها بالرد على بريده
وبينما هو يتجول إذا به لأول مرة يرى موضوعا قديما بها عن شاب يدعى خالد سعيد
كانت صورته الباسمة الأنيقة واللامعة في صدر الموضوع توحي بأنه شاب يشابهه في كل شيء
ولكن هاله ما قرأه عنه
وارتجف بدنه قوة وانخلع قلبه عندما رأى صورته الجديدة في آخر الموضوع
كانت صورة تناقض الأولى في كل شيء
وجه مهشم ومشوه بشكل بشع يطل الموت عليه بأبشع آماراته
رغما عنه أدار المؤشر لأعلى الصفحة ليقارن بينها وبين الأخيرة وهو غير مصدق بأن صاحب الصورتين هو شخص واحد
ولأول مرة يدرك كريم بمعنى الموت ..
ولأول مرة يخشاه بصدق .. فهو لم ييتفكر فيه من قبل .. بل ربما نسى بأن هذا المصير ينتظر الجميع ..
وأخذ كريم يقارن بينه وبين هذا الشاب وتخيل نفسه في موضعه
وكانت هذه هي المقدمة لأن يرتبط بهذه المدونة بشكل خاص ويبدأ في التفاعل الحقيقي بكل مشاعره مع كل إدراجاتها وقد تناسى تماما هدفه من الدخول إليها ..
وبعد أن التهم كل المواضيع القديمة بها والتي كانت تتنوع ما بين الدينية والإخبارية مع بعض السياسة الخفيفة ..
أصبحت قرائته الصباحية لكل موضوع جديد تشرق معه شمس اليوم في هذه المدونة .. هي جلسة أهم من إفطاره وكوب الشاي الساخن المقدس لديه قبل بدء عمله
وأصبح اسم الخنساء بالنسبة اليه شيئا جذابا يضفي الكثير على حياته ..
اسم بدأ يسلخه من حياته الى حياة جديدة
بعد يأسه من ردها عليه في أي موضوع أصبح فقط يتخيل تلك الخنساء صاحبة المدونة الغامضة والخفية التي تضع المواضع وعبر أكثر من مائتي موضوع
ردت مرة واحدة لتعتذر بجملة مقتضبة عن خطأ إملائي غيَّر معنى الشطر التي كانت به ونبهها إليه أحد القراء في رده عليها ..
هنا علم بأنها تتابع حتما كل الردود على مواضيعها وإدراجاتها ولكن تترفع عن الرد على الجميع ..
ولأنه لم يعهد هذه النوعية من قبل .. ولأن الممنوع مرغوب والبعيد يصبح هو المبتغى دوما
ولأنه لم يفشل يوما في أن يلفت انتباه أي فتاة من قبل ..
قرر أن يخوض معركته معها وهو يقسم بينه وبين نفسه أنه حتما سيصل معها إلى أن ترد عليه ردا خاصا في يوم ما ..
بعد متابعته الدائمة لها علم أنها تهدف إلى التدين ونشره والدعوة اليه ..
لذا وبعد أن علم بمتابعتها لكل الردود بدقة ..
جاء رده على موضوع جديد لها كتبته بعنوان الدقائق الغالية .. كان موضوعا عن ركعتين فقط في جوف الليل وفضلهما وكيف أن الدعاء فيهما يسمى بسهام الليل وما له من أثر فعّال ..
رغم تأثره بالموضوع فعلا إلا أنه كتب ردا مزج فيه هذا التأثر مع رغبته في جذبها للرد عليه ..
كتب يقول (( هذا عمن يحافظ على صلواته .. فماذا عمن لم يركعها من قبل .. كيف السبيل إلى ذلك ؟ ))
وجاء الصباح التالي ليحمل له مفاجأة .. كان تاركا صفحة الموضوع مفتوحة منذ الأمس وعند الصباح قام فقط بإعادة تنشيط الصفحة ليرى الردود الجديدة على الموضوع وهو يتمنى أن يجد لها ردا
ولم يجد ..
شعر بخيبة أمل فقام بالذهاب للرئيسية ليرى موضوع اليوم الجديد ..
وهنا وجد الرد .. فقد كان الموضوع الجديد عن كيفية الالتزام بالصلاة والمواظبة عليها والمحفزات لذلك وما هي المثبطات وكيفية التغلب عليها ..
كانت الفرحة تكتنف كل جوانح كريم وتتمكن منه ..
فقد شعر بتفاعلها معه وقرأ الموضوع كأنما هو حوار بينهما ..
وكانت البداية لأن يلتزم بالصلاة فعلا ..
وأخيرا عرف كيف السبيل اليها ..
كل ثلاثة أيام يضع تساؤلا ليجد الرد في موضوع كامل ..
كان كريم يندهش بقوة للتغير الذي طرأ عليه ..
كم من الفتيات يطاردنه وقائمة برامج التحاور معه مليئة بمئات منهن ورأى صور الكثيرات وأقلهن جمالا يقال عنها فاتنة والله أعلم بهذه الخنساء وكيف تكون ..
فكيف زهد فيهن بهذا الشكل ..
وأصبحت تلك المحاورة الرمزية هي النشوة الحقيقة التي يتجرعها كل صباح ..
وأخيرا اندلعت ثورة الخامس والعشرين من يناير
لتتوقف المحاورة ولتصبح المدونة فقط نقل حي وتفاعل موسع لأحداث الثورة انقطعت خدمة الانترنت ليتوقف كل ذلك ولتعود مرة أخرى صباح الأول من فبراير وعادت المدونة حاملة معها كل الأحداث الحية لحظة بلحظة وردا على الشبهات المنطلقة عنها
ووجد أن التفاعل معها لن يكون إلا بالحديث عن هذه الثورة .. ووجد موضوعا لها يقول ..
(( رجال التحرير في الميدان )) كانت تتحدث فيه عن أن القابعون في ذلك الميدان هو الرجال حقا
وأن من لم يقم بزيارة الميدان يوما في هذه الأحداث مع قدرته على ذلك فهو لا يستحق أن يتنسم عبير الحرية في هذا الوطن ..
وجد كريم بأن خير رد عليها في هذا التوقيت أن يذهب لذلك الميدان وعبر جهازه الخاص والمخصص لإستعراض شبكة الانترنت والمشابه للجوال .. هناك يمكنه بث صورا وأخبارا في ردوده اليها
وحتما ستتفاعل معه ..
جلس أولا يتابع أخبار الميدان .. وجد أنه به مئات الآلاف والكثيرون يذهبون ويعودون منه بلا أي عوائق
وكثير من ضيوف البرامج الحوارية يتحدثون عن أنهم عادوا توا من هناك والوضع كذا وكذا
بل إن رئيس الوزارء الفريق أحمد شفيق صرح بأن من يريد مغادرة الميدان لن يتم ملاحقته أمنيا أبدا بل له كل الأمن والأمان ..
اذا هي تجربة سهلة ولكن ستمثل فارقا كبيرا مع معركته الكبرى والخاصة مع الخنساء ..
وذهب الى الميدان ..
ليبدأ التحول الحقيقي والكبير في حياته ..
كان يظن بأن هؤلاء الماكثون بالميدان هم حتما من يعانون البطالة و لديهم الوقت لذلك ..
ولكن ..
وجد كل الفئات والأعمار والاتجاهات متواجدة به ..
صاحب الأعمال التي عطلها وجاء
الطالب والعامل والموظف والمدير والبواب وكل الوظائف متواجدة ومتجاوره
بل وجد كل التيارات التي سمع عنها بمدونة الخنساء
الإسلاميون واليساريون والليبراليون والنصاري في مشهد متفرد ونادر
متجاورون ومتحدون ومتحابون
وجد مشاعر ملائكية بين الجميع .. لم يعهدها أو يسمع عنها من قبل .. ولأول مرة يجد أن بضع تمرات يجتمع عليها الجميع وتكفيهم كمؤنة ولغذاء ربما يوم كامل ..
وكما تقول الحكمة الشهيرة .. ليس من راء كمن سمع ..
فقد كان تفاعله مع مواضيع الخنساء من قبل تفاعلا شاحبا ..
صحيح أنها غيرت الكثير من أفكاره وقومت بعض سلوكه ..
ولكن في الميدان تغيرت كل مشاعره وربما كل حياته .. لأول مرة يشعر بأن الحياة يجب أن يكون لها هدف واضح لكي تشعر بقيمتها ..
لأول مرة يعلم بأن المتعة الحقيقية ليست في نيل الشهوات
وإنما ربما أقصاها في مجابهة المشاق و المصاعب
وبعد أن كان هدفه الحقيقي من هذه الزيارة هو أن يحاور الخنساء شعر بتفاهته وأصبح هدفه الواقعي هو أن ينهل من هذه الخيرات والرحمات المتدفقة بميدان التحرير ..
ولأول مرة يبيت هكذا في العراء بين شباب التحرير
ليأتي اليوم الثاني بتطور كبير ونوعي .. وسميت أحداثه بمعركة الجمل
كان طوال اليوم يذهب بعيدا عن مقدمة الأحداث خائفا ومتوجسا من أي ضرر قد يناله ..
طوال اليوم يجد المصابون من حوله يمرون في موجات من الأمام للخلف وهم غارقين في دمائهم
ولكن سريعا تعود هذه الموجات وسط كل ضمادتها الى الأمام مرة أخرى
كانت حياة جديدة تبث من حوله في هؤلاء البشر الذين ظن في البداية بأنهم ما جلسوا هنا إلا لكامل طمأنينتهم بانتفاء الضرر
وأن كل معاناتهم لا تتعدي الجوع والبرد
وأخيرا أتته مكالمة والده التي مزقت نياط قلبه والتي ترجوه بأن يعود إليهم سالما فهو وحيدهم وهو الهدف الوحيد الذي يعيشون لأجله وأن أي ضرر يمسه إنما فيه مواتهم التام
فتح كريم جهازه وذهب مباشرة لمدونة الخنساء وكتب ردا على آخر موضوع لها ليقول لها فيه ..
.. (( الجو بارد ومخيف والموت يقتنص من حولي في ميدان التحرير وأبي وأمي يتربص بهم الموت خوفا علي وأنا وحيدهم .. ماذا أفعل ؟؟ .. ))
وفي أقل من دقيقتين ولأول مرة ترد عليه ردا خاصا مباشرة بعد تعليقه هذا
كتبت تقول له .. (( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا .. بل أحياء عند ربهم يرزقون ))
اطلب من والديك الدعاء وثق أن الله خير حافظا وهو أرحم الراحمين
كان ردها بلسما شافيا مس شغاف قلبه .. وقعت الآيات التى ذكرتها منه موقعا كأنما هي انزلت له فقط في هذا الموقف ..
اتصل بوالده مرة أخرى ليقول له .. (( ادع لي يا أبي أنت وأمي .. ))
وأغلق معه وهو يسمع منه بان دعائهم لا ينقطع ..
وانطلق الى المقدمة ..
*
قبل هذا المشهد بخمس دقائق فقط
وفوق مبنى مجمع التحرير كان ذلك الرجل الغامض والهارب من سجنه يتسلل في خفة تامة ولا يكاد أن يصدر عنه أدنى صوت ورصد بعينه موقع القناص المستقر فوق المبني فتوجه خلفه تماما دون أن يشعر به .. واذا بهاتف القناص يعلو صوته فيرفعه الى أذنه ليسمع كلمة واحدة فقط ..
وقبل أن يهبط بعينه على بندقيته اذا به يجد نفسه يطير في الهواء ساقطا من أعلى مجمع التحرير
والرجل الغامض يميل بعينه بدلا منه على عدسة البندقية المقربة ويفحص المجال المثبتة عليه
ولمحه ..
لمح ذلك الرجل الذي اتصل بالقناص واشار بيده نحو كريم
فصوب البندقية الى منتصف رأسه ليرديه قتيلا ..
وقام بمنتهى الهدوء ليغادر هذا السطح متجها نحو خطوته التالية والهامة جدا ..
بينما في نفس التوقيت فزع كريم من كمية الدماء التي تطايرت عليه من رأس الرجل المجاور له وشعر بالهلع الشديدة وهو يراه يخر صريعا أمامه
وفي حركة تلقائية اندفع البعض نحو القتيل ظنا بأنه أحدهم وشهيدا منهم ولكن حين مد أحدهم يده ليرى بطاقة هويتة ليجد بأنه ضابط بأمن الدولة في مفاجأة عجيبة وغير مفهومة ..
جعلت كريم لا يهتف سوى بجملة واحدة .. (( فالله خير حافظا . وهو أرحم الراحمين ))
ضم كريم ياقة معطفه الكثيف ليستمد بعض الدفء منه وسط هذا البرد وهو يستند بظهره إلى أحد أعمدة الإنارة بوسط ميدان التحرير .. كان يرتجف ومشاعره كلها مبعثرة بشكل لم يعهده أو يجربه من قبل ..
كان الوقت قد انتصف منه الليل .. ولم تكن ليلة عادية أبدا .. فالمشهد لو رآه في أحد أفلام الحركة لحكم عليه بالمبالغة .. والصورة جديرة بأن يتم نقشها في لوحة أسطورية تحكي عن مرحلة تاريخية غير مسبوقة ..
في الليلة الماضية التي قضاها بالميدان كان هذا الوقت إما للسمر أو الراحة ..
ولكن هذه الليلة كانت ليلة النيران المشتعلة عليهم من كل صوب ..
فمنذ العصر وبعد دخول قوافل البعير والخيول عليهم تحمل عددا لا بأس به من محترفي الإجرام لتفريق الجمع المتوحد بالميدان منذ جمعة الغضب .. وعلى مداخل الميدان المتعددة كانت فرق الهجوم بالحجارة المقذوفة عليهم لا تكل ولا تمل .. بل يتم تغيريهم في مناوبات متصلة ورجال الميدان في مواجهة مستمرة معهم بلا راحة ..
ومن أعلى العمارات كانت قذائف اللهب تنهمر عليهم كأنما هي الشهب لتهبط عليهم في أمل أن تحرق فيهم جذوة المقاومة والصمود وربما الأمل في نجاح هذه الثورة
وأخيرا مع دخول الليل بدأت طلقات الرصاص مجهولة المصدر تحصد الأروح بعناية وانتقاء من بينهم
برودة الجو مع الخوف الشديد الذي اكتنف كريم جعل ارتعادته لا تتوقف أبدا
وأخيرا بعد إغلاق هاتفه وصمته التام لمدة عشر دقائق مع ثورة بركانيه تعتمل بداخله
قام منتصبا وعيناه تحملان تصميما جديدا عليه
وبريقا يشق طريقه إليهما لينير له دربه الجديد
واندفع الى مقدمة الصفوف ليحمل الحجارة ويقذفها ليساعد في صد الهجوم التتاري وصوته يهدر قائلا
.. (( الله أكبر .. الله أكبر .. ))
ولأن صيحته كانت تخرج من أعماق قلبه .. فقد اخترق صداها الكثير من القلوب ليشحذ فيهم الهمة ويقتل فيهم التردد أو الخوف
وبدأت الأعداد تزحف من المؤخرة للمشاركة في قوة المقدمة وهتافه لا ينقطع ..
وتقدم أحدهم ووقف بجواره ورفع جواله الى أذنه وهتف بكلمة واحدة وهو يشير نحوه ..
وبعدها بدقيقتين انطلقت رصاصة لتستقر في منتصف الرأس .
*
ولأن عهدنا بهذه الثورة أنها قلبت كل الموازين وأخرجت العملاق الساكن والراقد في قلوب الكثير من المصريين .. لن يكون جديدا ذكر أن صورة كريم هذه مغايرة تماما لما كان عليه في الأيام السابقة
كريم خريج إحدى الأكاديميات الخاصة التي أهلته ليعمل في مجاله الذي يعشقه .. وهو تصميم مواقع الانترنت وبرمجتها بشكل كامل ..
يتميز بشخصيته المرحة خفيفة الظل وتلقائيته وبساطته المعهودة .. يعطي جل وقته لعمله مع مدونته التي لا تحمل سوى ما يعشق من مواقف مرحة سواء مكتوبة أو مرئية أو مسموعة وأغان خفيفة عربية وأجنبية هي ما تعبر عن ذوقه العام ..
وبالطبع كان التفاعل معها وبها كثيفا وخاصة مع الجنس اللطيف ..
ومع خفة ظله المعهودة كانت معارفة وصداقاته معهن كثيفة ومتنوعة وكم خاض من تجارب عاطفية متنوعة جعلته أخيرا يزهد الجميع ويكتفي فقط بالمشاكسة والمسامرة ...
ومن المؤكد أنه لم يكن متابعا لأي حدث سياسي ولا يهتم به بل كان نادرا ما يتابع بعض الأخبار عبر بعض المواقع التي يعمل على صيانتها ..
فهو الابن المدلل والوحيد لوالدين من ميسوري الحال .. لديه السيارة الفارهة .. وطلباته كلها مجابة
لا ينقصه شيء .. ومن أهم الأشياء التي تربى عليها ..
ألا ينشغل ولا ينجذب لأصحاب اللحي أو من يرطنون بكلمات تتميز بمصطلحاتها الغامضة مثل الأمبريالية واليسار التقدمي وطبقة المغيبين وما إلى ذلك ..
لأن مصير كل هؤلاء حتما خلف الأسوار ..
فما الذي يجبره على مجابهة كل تلك المصاعب والمشاق وهو لا ينقصه شيء ؟
حتى أجبرته الظروف على دخول تلك المدونة ..
شاب أراد إنشاء موقع اليكتروني جديد وأثناء الاتفاق معه على شكل التصميم والإمكانات المتاحة بالموقع
طلب منه الشاب أن يضع ضمن الشكل الرئيسي في مقدمة الموقع تصميما مشابها لذلك الموجود بتلك المدونة ..
للوهلة الأولى ظن كريم بأنه أمرا تافها وأخبره بأنه سينفذه له بما يريد ..
كانت المدونة اسمها الخنساء مكتوبة بشكل جديد يملأ فراغا كبيرا من أعلى الصفحة وهناك مسافة بين حرفي النون والسين وبينهما صورة صغيرة دخل دائرة اطارها يشبه إطار الكرة الأرضية وهذه الصورة الصغيرة متغيرة بشكل مستمر ودائم وكل صورة مرتبطة بحدث إخباري منتقى بعناية من المواقع الإخبارية المتنوعة والمتخصصة ..
ظن كريم بأن الأمر يسير وهي عدة أخبار يتم وضعها في أول اليوم ثم تغييرها وتحديثها بعد عدد معين من الساعات ولكن ما أدهشة بأن الصور والأخبار المتعلقة بها لم تكن تتكرر أبدا فالحدث يعرض مرة واحدة طوال اليوم ..
ظل كريم يبحث ويفكر في الطريقة التي يمكن بها فعل ذلك وأعجزه الأمر فلجأ لأيسر الطرق الاتصال بصاحبة المدونة وسؤالها عن الطريقة أو الكود الذي نفذت به الفكرة ..
ولكن لم يأته الرد ..
أخذ يتجول بالمدونة ليتفاعل معها بالردود لكي يلفت انتباه صاحبهتا اليه وبعدها يطالبها بالرد على بريده
وبينما هو يتجول إذا به لأول مرة يرى موضوعا قديما بها عن شاب يدعى خالد سعيد
كانت صورته الباسمة الأنيقة واللامعة في صدر الموضوع توحي بأنه شاب يشابهه في كل شيء
ولكن هاله ما قرأه عنه
وارتجف بدنه قوة وانخلع قلبه عندما رأى صورته الجديدة في آخر الموضوع
كانت صورة تناقض الأولى في كل شيء
وجه مهشم ومشوه بشكل بشع يطل الموت عليه بأبشع آماراته
رغما عنه أدار المؤشر لأعلى الصفحة ليقارن بينها وبين الأخيرة وهو غير مصدق بأن صاحب الصورتين هو شخص واحد
ولأول مرة يدرك كريم بمعنى الموت ..
ولأول مرة يخشاه بصدق .. فهو لم ييتفكر فيه من قبل .. بل ربما نسى بأن هذا المصير ينتظر الجميع ..
وأخذ كريم يقارن بينه وبين هذا الشاب وتخيل نفسه في موضعه
وكانت هذه هي المقدمة لأن يرتبط بهذه المدونة بشكل خاص ويبدأ في التفاعل الحقيقي بكل مشاعره مع كل إدراجاتها وقد تناسى تماما هدفه من الدخول إليها ..
وبعد أن التهم كل المواضيع القديمة بها والتي كانت تتنوع ما بين الدينية والإخبارية مع بعض السياسة الخفيفة ..
أصبحت قرائته الصباحية لكل موضوع جديد تشرق معه شمس اليوم في هذه المدونة .. هي جلسة أهم من إفطاره وكوب الشاي الساخن المقدس لديه قبل بدء عمله
وأصبح اسم الخنساء بالنسبة اليه شيئا جذابا يضفي الكثير على حياته ..
اسم بدأ يسلخه من حياته الى حياة جديدة
بعد يأسه من ردها عليه في أي موضوع أصبح فقط يتخيل تلك الخنساء صاحبة المدونة الغامضة والخفية التي تضع المواضع وعبر أكثر من مائتي موضوع
ردت مرة واحدة لتعتذر بجملة مقتضبة عن خطأ إملائي غيَّر معنى الشطر التي كانت به ونبهها إليه أحد القراء في رده عليها ..
هنا علم بأنها تتابع حتما كل الردود على مواضيعها وإدراجاتها ولكن تترفع عن الرد على الجميع ..
ولأنه لم يعهد هذه النوعية من قبل .. ولأن الممنوع مرغوب والبعيد يصبح هو المبتغى دوما
ولأنه لم يفشل يوما في أن يلفت انتباه أي فتاة من قبل ..
قرر أن يخوض معركته معها وهو يقسم بينه وبين نفسه أنه حتما سيصل معها إلى أن ترد عليه ردا خاصا في يوم ما ..
بعد متابعته الدائمة لها علم أنها تهدف إلى التدين ونشره والدعوة اليه ..
لذا وبعد أن علم بمتابعتها لكل الردود بدقة ..
جاء رده على موضوع جديد لها كتبته بعنوان الدقائق الغالية .. كان موضوعا عن ركعتين فقط في جوف الليل وفضلهما وكيف أن الدعاء فيهما يسمى بسهام الليل وما له من أثر فعّال ..
رغم تأثره بالموضوع فعلا إلا أنه كتب ردا مزج فيه هذا التأثر مع رغبته في جذبها للرد عليه ..
كتب يقول (( هذا عمن يحافظ على صلواته .. فماذا عمن لم يركعها من قبل .. كيف السبيل إلى ذلك ؟ ))
وجاء الصباح التالي ليحمل له مفاجأة .. كان تاركا صفحة الموضوع مفتوحة منذ الأمس وعند الصباح قام فقط بإعادة تنشيط الصفحة ليرى الردود الجديدة على الموضوع وهو يتمنى أن يجد لها ردا
ولم يجد ..
شعر بخيبة أمل فقام بالذهاب للرئيسية ليرى موضوع اليوم الجديد ..
وهنا وجد الرد .. فقد كان الموضوع الجديد عن كيفية الالتزام بالصلاة والمواظبة عليها والمحفزات لذلك وما هي المثبطات وكيفية التغلب عليها ..
كانت الفرحة تكتنف كل جوانح كريم وتتمكن منه ..
فقد شعر بتفاعلها معه وقرأ الموضوع كأنما هو حوار بينهما ..
وكانت البداية لأن يلتزم بالصلاة فعلا ..
وأخيرا عرف كيف السبيل اليها ..
كل ثلاثة أيام يضع تساؤلا ليجد الرد في موضوع كامل ..
كان كريم يندهش بقوة للتغير الذي طرأ عليه ..
كم من الفتيات يطاردنه وقائمة برامج التحاور معه مليئة بمئات منهن ورأى صور الكثيرات وأقلهن جمالا يقال عنها فاتنة والله أعلم بهذه الخنساء وكيف تكون ..
فكيف زهد فيهن بهذا الشكل ..
وأصبحت تلك المحاورة الرمزية هي النشوة الحقيقة التي يتجرعها كل صباح ..
وأخيرا اندلعت ثورة الخامس والعشرين من يناير
لتتوقف المحاورة ولتصبح المدونة فقط نقل حي وتفاعل موسع لأحداث الثورة انقطعت خدمة الانترنت ليتوقف كل ذلك ولتعود مرة أخرى صباح الأول من فبراير وعادت المدونة حاملة معها كل الأحداث الحية لحظة بلحظة وردا على الشبهات المنطلقة عنها
ووجد أن التفاعل معها لن يكون إلا بالحديث عن هذه الثورة .. ووجد موضوعا لها يقول ..
(( رجال التحرير في الميدان )) كانت تتحدث فيه عن أن القابعون في ذلك الميدان هو الرجال حقا
وأن من لم يقم بزيارة الميدان يوما في هذه الأحداث مع قدرته على ذلك فهو لا يستحق أن يتنسم عبير الحرية في هذا الوطن ..
وجد كريم بأن خير رد عليها في هذا التوقيت أن يذهب لذلك الميدان وعبر جهازه الخاص والمخصص لإستعراض شبكة الانترنت والمشابه للجوال .. هناك يمكنه بث صورا وأخبارا في ردوده اليها
وحتما ستتفاعل معه ..
جلس أولا يتابع أخبار الميدان .. وجد أنه به مئات الآلاف والكثيرون يذهبون ويعودون منه بلا أي عوائق
وكثير من ضيوف البرامج الحوارية يتحدثون عن أنهم عادوا توا من هناك والوضع كذا وكذا
بل إن رئيس الوزارء الفريق أحمد شفيق صرح بأن من يريد مغادرة الميدان لن يتم ملاحقته أمنيا أبدا بل له كل الأمن والأمان ..
اذا هي تجربة سهلة ولكن ستمثل فارقا كبيرا مع معركته الكبرى والخاصة مع الخنساء ..
وذهب الى الميدان ..
ليبدأ التحول الحقيقي والكبير في حياته ..
كان يظن بأن هؤلاء الماكثون بالميدان هم حتما من يعانون البطالة و لديهم الوقت لذلك ..
ولكن ..
وجد كل الفئات والأعمار والاتجاهات متواجدة به ..
صاحب الأعمال التي عطلها وجاء
الطالب والعامل والموظف والمدير والبواب وكل الوظائف متواجدة ومتجاوره
بل وجد كل التيارات التي سمع عنها بمدونة الخنساء
الإسلاميون واليساريون والليبراليون والنصاري في مشهد متفرد ونادر
متجاورون ومتحدون ومتحابون
وجد مشاعر ملائكية بين الجميع .. لم يعهدها أو يسمع عنها من قبل .. ولأول مرة يجد أن بضع تمرات يجتمع عليها الجميع وتكفيهم كمؤنة ولغذاء ربما يوم كامل ..
وكما تقول الحكمة الشهيرة .. ليس من راء كمن سمع ..
فقد كان تفاعله مع مواضيع الخنساء من قبل تفاعلا شاحبا ..
صحيح أنها غيرت الكثير من أفكاره وقومت بعض سلوكه ..
ولكن في الميدان تغيرت كل مشاعره وربما كل حياته .. لأول مرة يشعر بأن الحياة يجب أن يكون لها هدف واضح لكي تشعر بقيمتها ..
لأول مرة يعلم بأن المتعة الحقيقية ليست في نيل الشهوات
وإنما ربما أقصاها في مجابهة المشاق و المصاعب
وبعد أن كان هدفه الحقيقي من هذه الزيارة هو أن يحاور الخنساء شعر بتفاهته وأصبح هدفه الواقعي هو أن ينهل من هذه الخيرات والرحمات المتدفقة بميدان التحرير ..
ولأول مرة يبيت هكذا في العراء بين شباب التحرير
ليأتي اليوم الثاني بتطور كبير ونوعي .. وسميت أحداثه بمعركة الجمل
كان طوال اليوم يذهب بعيدا عن مقدمة الأحداث خائفا ومتوجسا من أي ضرر قد يناله ..
طوال اليوم يجد المصابون من حوله يمرون في موجات من الأمام للخلف وهم غارقين في دمائهم
ولكن سريعا تعود هذه الموجات وسط كل ضمادتها الى الأمام مرة أخرى
كانت حياة جديدة تبث من حوله في هؤلاء البشر الذين ظن في البداية بأنهم ما جلسوا هنا إلا لكامل طمأنينتهم بانتفاء الضرر
وأن كل معاناتهم لا تتعدي الجوع والبرد
وأخيرا أتته مكالمة والده التي مزقت نياط قلبه والتي ترجوه بأن يعود إليهم سالما فهو وحيدهم وهو الهدف الوحيد الذي يعيشون لأجله وأن أي ضرر يمسه إنما فيه مواتهم التام
فتح كريم جهازه وذهب مباشرة لمدونة الخنساء وكتب ردا على آخر موضوع لها ليقول لها فيه ..
.. (( الجو بارد ومخيف والموت يقتنص من حولي في ميدان التحرير وأبي وأمي يتربص بهم الموت خوفا علي وأنا وحيدهم .. ماذا أفعل ؟؟ .. ))
وفي أقل من دقيقتين ولأول مرة ترد عليه ردا خاصا مباشرة بعد تعليقه هذا
كتبت تقول له .. (( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا .. بل أحياء عند ربهم يرزقون ))
اطلب من والديك الدعاء وثق أن الله خير حافظا وهو أرحم الراحمين
كان ردها بلسما شافيا مس شغاف قلبه .. وقعت الآيات التى ذكرتها منه موقعا كأنما هي انزلت له فقط في هذا الموقف ..
اتصل بوالده مرة أخرى ليقول له .. (( ادع لي يا أبي أنت وأمي .. ))
وأغلق معه وهو يسمع منه بان دعائهم لا ينقطع ..
وانطلق الى المقدمة ..
*
قبل هذا المشهد بخمس دقائق فقط
وفوق مبنى مجمع التحرير كان ذلك الرجل الغامض والهارب من سجنه يتسلل في خفة تامة ولا يكاد أن يصدر عنه أدنى صوت ورصد بعينه موقع القناص المستقر فوق المبني فتوجه خلفه تماما دون أن يشعر به .. واذا بهاتف القناص يعلو صوته فيرفعه الى أذنه ليسمع كلمة واحدة فقط ..
وقبل أن يهبط بعينه على بندقيته اذا به يجد نفسه يطير في الهواء ساقطا من أعلى مجمع التحرير
والرجل الغامض يميل بعينه بدلا منه على عدسة البندقية المقربة ويفحص المجال المثبتة عليه
ولمحه ..
لمح ذلك الرجل الذي اتصل بالقناص واشار بيده نحو كريم
فصوب البندقية الى منتصف رأسه ليرديه قتيلا ..
وقام بمنتهى الهدوء ليغادر هذا السطح متجها نحو خطوته التالية والهامة جدا ..
بينما في نفس التوقيت فزع كريم من كمية الدماء التي تطايرت عليه من رأس الرجل المجاور له وشعر بالهلع الشديدة وهو يراه يخر صريعا أمامه
وفي حركة تلقائية اندفع البعض نحو القتيل ظنا بأنه أحدهم وشهيدا منهم ولكن حين مد أحدهم يده ليرى بطاقة هويتة ليجد بأنه ضابط بأمن الدولة في مفاجأة عجيبة وغير مفهومة ..
جعلت كريم لا يهتف سوى بجملة واحدة .. (( فالله خير حافظا . وهو أرحم الراحمين ))