السلام عليكم , هذه القصة تعُتبر ثان ِ قصة بوليسية لي اسردها للقاري , حيث القصة الأولى لم تعجبني , لذلك لقد بذلت جهد في إخراج هذه القصة التي اعتبرها الآن أفضل ما كتبت ... لان دائما القصص البوليسية لها كتّأب يحملون طابع خاص , قررت اليوم طرح قصة غريبة قليلا , قد تعرف الجاني منذ بداية الأحداث و لكن ما يهمني أكثر هو أن أقدم فكرة , و أسلوب أدبي راقي ...
محمود غسان
( سيتم طرحها على خمس حلقات ) الحلقة الأولى
" جريمة قتل "
دخلت الآنسة كليرا وهي شابة طويلة القامة مكتب المحقق دانيال , حيث رأيته يتحدث عبر الهاتف بعنف شديد , فسمعته يصرخ و يقول : " اليوم حين أأتي لا أريد أن أراكِ " و أغلق سماعة الهاتف بقوة ..
فلاحظ وجود الآنسة كليرا فالتفت إليها و قال بهدوء : " المعذرة , أنها زوجتي ! " فلاحظت و كأن الوقت غير مناسب و لكن كان عليها إخباره : " المعذرة سيدي , و لكن جاءني بلاغ الآن عن جريمة قتـل في 7515 شيلدون في إلك جروف " فسألها المحقق : " من الذي قــُتـل ؟؟ " لم يكن سؤاله ينم عن إرادة قوية لمعرفة من هو , حتى سمعها تقول له بتردد شديد : " انه رجل الأعمال روبيرت باندريك "
صُدم المحقق باندريك بشدة حتى قال باهتمام : " كيف حدث هذا ؟ " جلست الآنسة الحسناء أمام مكتبه ثم عقدت شعرها الذهبي كذيل الحصان ثم قالت : " لقد جاءني اتصال للتو من مديرة أعماله التي تدعى سوزان و قالت بأنها وجدت سيدها مقتولا في غرفة مكتبه , غارقاً بدمائه .... "
أصدر المحقق صوت همهمة ثم نظر إلى ساعة يده فوجدها تشير إلى الرابعة و النصف مساءا ثم قال : " حسنا هيا بنا ... "
* * * * * *
دخـل بيت السيد روبيرت باندريكرجل قصير القامة يبلغ من العمر خمسة و أربعون , اسمر اللون .. فوجد بيته صغيرا و أثاثه فاخرا , بيته في منطقة بعيدة عن المدينة , منطقة يسودها الهدوء و السكينة و لا احد يقصدها إلا ملاك تلك البيوت ..
فنظر إلى سيدة تبدو حزينة جالسة في احد أركان البيت فأقترب منها و قال : " من فضلك يا سيدتي أنا المحقق دانيال من قسم مكافحة جرائم القتل " فنهضت تلك السيدة و قالت و هي تبكي : " من فضلك يا سيدي اقبض على من فعل تلك الفعلة من فضلك سيدي , لا تجعله أن يفلت بفعلته " فحاول المحقق أن يهدئ من روعها : " حسنا .. حسنا و لكن عليكِ مساعدتي في هذا , من فضلك رافقيني الآن إلى مكان السيد باندريك "
فتحركت تلك السيدة و من خلفها المحقق دانيال و بجواره الآنسة كليرا و من خلفه رجلان احدهم هو جاستيس بيرو المحقق الجنائي , و الآخر الدكتور بيتر روكويل خبير البصمات ...
دخلت تلك السيدة أولا ثم تبعها المحقق دانيال بحذر شديد و بخطوات قد تكون متناهية الصغر و تبعه من خلفه مساعدته و الرجلان الآخران ....
تجمد المحقق دانيال مكانه و لكن كانت عيناه تتحرك في أرجاء الغرفة حتى وقعت على الضحية الملقاة على الأرض على بطنه , باسطاً لذراعيه بزاوية قائمة , غارقاً بدمائه و في يديه اليمنى مسدس , و على كفه الأيسر نذبة على شكل مثلث ..
فتحرك بصره قليلا أمام الضحية فوجد برواز لمرآة زجاجية محطمة كليا ... أما على المكتب فوجد عليها آلة كاتبة و ورقة بيضاء فتناولها و بدأ يقرأ بصوت خافت :
" أنا روبيرت باندريك , اكتب هذا و أنا بكامل قواي العقلية , أحُيل ممتلكات عائلة باندريك جميعها إلى وريثتي الوحيدة سارة براد باندريك بنت أخي براد باندريك المتوفى التي تقيم في فيرزنو دون قيد او شرط .... توقيع روبيرت باندريك "
حوّل المحقق نظره نحو الآنسة كليرا مساعدته ثم قال لها : " أريد معرفة من هي سارة ؟ و جميع معارفها ؟ " سكت ثم قال عندما أشار الى الضحية : " أيها المحقق بيرو من فضلك قم بعملك " و هنا أشار لمدام سوزان الى جهة باب الغرفة قائلا : " من فضلك تعالي معي " أخذها و خرج خارج البيت يتأمل حديقة المنزل , فتناول مقعد خشبي قصير واتخذه مجلسا له و قال : " من فضلك سيدتي عليكي ان تهدئي حتى اعرف ماذا حدث"
مسحت سوزان دموعها بيدها ثم أخذت نفـَس من انفها ثم قالت بتأني : " سيدي , انا لا اعرف ماذا حدث , و لكن ... " فقاطعها مسرعا : " أولا أريد معرفة من زار سيدك اليوم و خطوات عمله منذ الصباح حتى وقت وقوع الجريمة , حسنا "
ظلت سوزان تفكر قليلا حتى قالت بهدوء : " عند الساعة التاسعة صباحا زاره مستر براين جونزي , هو مدير شركة بيزك كيميكال للصناعات الخفيفة , مكث معه قرابة ساعتين , بعد ذلك مباشرة طلب الإفطار في حديقة المنزل هناك ( و أشارت الى مكان قريب من موضعهم , ثم التفت إليه و أكملت حديثها ) فجلبت له الإفطار , و عندما فرغ منه طلب ان ينام قليلا حتى موعد قدوم الآنسة نادين .... " قاطعها المحقق فورا و قال : " المعذرة , من ؟؟ "
نظرت إليه بإعياء و قالت : " الآنسة نادين فتاة ذات أصول عربية و تعمل مترجمة للسيد روبيرت " سكتت ثم قالت بعد تنهيدة قصيرة : " زارته تقريبا الساعة الواحدة بعد الظهر , مكثت معه في مكتبه حتى جاءني اتصال من احد مسئولي شركة مقاولات يريد تحديد موعد مسبق مع السيد روبيرت بخصوص منشآت في لاس فيجاس , فأعطيته موعد غدا الساعة العاشرة مساءا - حسب جدول مواعيد السيد روبيرت - لان أي عميل قبل قدومه يطلب موعدا مسبقا "
يستمع لها السيد روبيرت بكل تأني و تركيز حتى وجدها فجأة كفت عن الحديث فقال لها بإشارة بيده : " حسنا أكملي .... " أكملت سوزان و قالت : " حسنا بعد ذلك طلب السيد روبيرت ان أقدم لهما كوبان الشاي في حديقة المنزل , فمضت نادين معه حتى الساعة الثالثة عصرا تقريبا , حتى رأيتها من نافذة المطبخ تغادر حديقة المنزل و مضى السيد روبيرت الى مكتبه , لم يمضي نصف ساعة حتى رأيت رجل غريب الشكل , شعره أجعد قادم نحو المنزل , فسرعان ما تركت ما بيدي و ذهبت إليه كي استفهم أمره , فطلب مني مقابلة السيد روبيرت .... "
فقاطعها المحقق دانيال و قال باهتمام : " ما اسمه ؟ " ردت بخوف : " لم أسأله ! " فصرخ المحقق دانيال : " كيف هذا , أيعقل ما تقولينه ؟؟ , رجل غريب قادم لزيارة السيد روبيرت تسمحي له بالدخول دون معرفة اسمه ؟ " - " لقد اخبرني بأنه يريده لأمر هام , و انه على عجل , فدخلت المكتب السيد روبيرت و أخبرته بأن هناك رجل يريده لأمر هام , حتى سمعته من خلفي يقول لي المعذرة يا سيدتي اخرجي أنتي "
سكتت ثم قالت : " من الواضح أن سيد روبيرت لا يعرفه , لان عندما رآه قال له من أنت , فلم يجيبه إلا عندما غادرت المكتب "
أصدر المحقق دانيال همهمة ثم قال : " هذا تقريبا حدث الساعة الثالثة والنصف , أليس كذلك " - " بلى "
فقال المحقق : " حسنا , متى غادر هذا الرجل بيت السيد باندريك ؟؟ " فأجابت بثقة : " رأيته يغادر البيت تقريبا الساعة الرابعة و النصف مساءا , ووقتها فقط دخلت مكتب سيدي ( فذرفت بعض الدموع ) و وجدته مقتولا " فقال المحقق بحذر : " حسنا , لم يخيّـل إليك في هذه الساعة التي مكثها هذا الرجل ان تطمأني على سيدك "
أجابت بهدوء شديد : " لا , سيد روبيرت منعني من ذلك مرارا و تكرارا " - " هل تعتقدين انه هذا الرجل هو الذي قتله ؟؟ " و هنا صرخت بشدة : " بالتأكيد هو , من يكون إذن ؟؟ " و هنا حاول المحقق ان يهدئ من روعها : " على رسلك سيدتي , هل سمعتي صوت إطلاق نار ؟ "
ظلت تفكر قليلا حتى قالت : " لا سيدي , لم اذكر اني سمعت صوت كهذا .... " فصرخ بسرعة : " لا من فضلك أريدكِ ان تستعدي قواكِ من أجلي و تتذكري " ثم أضاف بهدوء : " هل سمعتي صوت إطلاق نار و متى ؟؟ "
ظلت تفكير قليلا و عندما شعر المحقق منها باليأس قال لها : " أين كنتي إذن ؟ " أجابت بسرعة : " لقد كنت في الحديقة .... نعم سيدي , كنت في حديقة المنزل في هذا التوقيت , لأني أنهيت جميع واجباتي .. "
قاطعها بيأس : " حسنا حسنا , بالطبع لم تسمعي صوت شجارا او صوت عال , او صوت تحطيم زجاج المرآة , أليس كذلك "
أجابت بعد ثوان : " لا سيدي , لقد كنت في حديقة المنزل و لم اسمع بشيء من هذا "
- " حسنا , هل كان لسيدك أي أعداء , او هل سمعتي ذات مرة شخصا ما قام بتهديده او أرسل إليه خطابات "
فقالت بسرعة : " لا سيدي , سيد روبيرت رجل مسالم لقد تعدى الخمسة و الخمسين من عمره , و لديه أعماله الخاصة و حماية الخاصة من مجلس الشيوخ و لا أظن ان له أعداء " فقال المحقق بسرعة : " حسنا , هل تعرفي شيء عن سارة ؟ , ابنه أخوه " ظلت تفكر قليلا حتى قالت : " نعم لقد زارتنا ثلاث مرات خلال السنتين التي أقمت بها هنا ... " بسرعة : " كيف كانت علاقتهم ببعضهم البعض ؟ " - " علاقة الأب بابنته سيدي " قال المحقق بحذر : " هل أنتي متأكدة من ذلك ؟ " بثقة : " بالتأكيد سيدي "
موضوع: رد: في مسرح الجريمة قصة بوليسية ( على حلقات بقلم محمود غسان ) الأربعاء نوفمبر 23, 2011 3:57 am
الحلقة الثانية * * *
- " حسنا , هل كان لسيدك أي أعداء , او هل سمعتي ذات مرة شخصا ما قام بتهديده او أرسل إليه خطابات "
فقالت بسرعة : " لا سيدي , سيد روبيرت رجل مسالم لقد تعدى الخمسة و الخمسين من عمره , و لديه أعماله الخاصة و حماية الخاصة من مجلس الشيوخ و لا أظن ان له أعداء " فقال المحقق بسرعة : " حسنا , هل تعرفي شيء عن سارة ؟ , ابنه أخوه " ظلت تفكر قليلا حتى قالت : " نعم لقد زارتنا ثلاث مرات خلال السنتين التي أقمت بها هنا ... " بسرعة : " كيف كانت علاقتهم ببعضهم البعض ؟ " - " علاقة الأب بابنته سيدي " قال المحقق بحذر : " هل أنتي متأكدة من ذلك ؟ " بثقة : " بالتأكيد سيدي "
ثم قال المحقق بعدما نظر حوله : " هل تعتقدين ان هي من دبرت له حادث مقتله ؟؟ " أجابت بانفعال : " بالطبع لا سيدي ... " فقال المحقق : " و ما أدراكِ ؟ " - " اقصد أنها في فرزنو, ثانيا ... "
سكتت سوزان لوهلة ثم قالت : " لا سيدي أنت لا تعرف سارة جيدا " - " لا بأس من ذلك , ما سبب وجود خطاب مكتوب بالآلة الكاتبة و عليه توقيعه بخط يده يذكر فيه بأنه أحُيل جميع ثروته إلى سارة ابنه أخوه "
ظلت سوزان تفكر مليا حتى حكت انفها و قالت بتردد : " لا اعرف سيدي , و لكن قد يكون كتب هذا الخطاب قبل قدوم هذا الرجل الغريب و وقعه بيده كي يسلـّمه للمحامي " نظر المحقق دانيال حوله فلاحظ على بعد خمس أمتار قدوم الآنسة كليرا فالتفت بسرعة الى سوزان و قال لها : " هل يمتلك سيدك مسدسا ؟ " ردت بتعثلم : " لا ... لا اعرف " و هنا وصلت الآنسة كليرا , فنظرت أولا الى سوزان ثم نظرت الى المحقق دانيال فقالت بأدب : " سيدي هل تستطيع ان تأتي الى مسرح الجريمة قليلا ؟ "
" التحقيق في مقتل رجل أعمال "
دخل المحقق دانيال مسرح الجريمة مع الآنسة كليرا , فرأى المحقق بيرو يقرأ من الملفات التي لديه , الدكتور روكويل يستخدم بعض المحاليل الكيميائية لاستخراج البصمات , و من الواضح بأن لم يشعر به احد حتى صرخ و قال : " هل هناك جديد ؟؟ "
فتقدم المحقق بيرو و قال : " سيدي , المجني عليه يدعى روبيرت جي.بروس باندريك عمره 59 عاما , لديه عدة أعمال و مشاريع في ساكرامنتو , أصيب برصاصة من مسدس البريتا 9 ملم من مسافة قريبة جدا في قلبه فقتلته فورا ما بين الساعة الرابعة , و الرابعة و النصف " ثم أضاف : " تحطمت زجاج المرآة - على الأغلب - نتيجة شجار نشب بين الجاني و الضحية "
فتقدمت الآنسة كليرا بكل حرص ثم قالت : " سارة براد باندريك , فتاة شابة في الخمسة و العشرون من عمرها و تعمل موظفة حكومية في شركة لإدارة الفنادق في فرزنو , ليست متزوجة و لكنها على علاقة بصديق يدعى فريد , فريد من الطبقة الفقيرة , يعمل في مكتبة صغيرة في فرزنو و يقضي معظم أوقاته هناك "
بان على المحقق عدم الاهتمام حيث يسترق النظر نحو مدام سوزان و هو يقول : " مدام سوزان تقول ان علاقة سارة بعمها علاقة وطيدة و تبعد كل التهم عنها " ثم التفت إليها و قال لها : " أريد ان أقابل محامي السيد بنادريك " فجأة قال الدكتور روكويل : " جميع البصمات تعود الى المجني عليه حتى بصمته على المسدس"
نظر إليه بحدة و قال : " ماذا تعني ؟؟ أنها حادثة انتحار ؟؟ " ارتبك قليلا ثم قال : " انا لم اقل هذا , سيدي " فقال المحقق بيرو : " و لكن هناك أمر ما في غاية الخطورة " التفت إليه المحقق دانيال و قال : " أي أمر ؟ " فقال بثقة : " المسدس الذي قتل الضحية أطلق منه رصاصتان , الثانية هي التي قتلته , أما الأولى فلا اثر لها هنا " فجأة نظر الى الحديقة و قال : " أريد محادثة المحامي فورا .... "
بدأ الليل يسدل ستائره حتى قالت الآنسة كليرا : " سيدي , مستر فرانسوا دلفين المحامي في انتظارك " نهض بسرعة فوجد رجل طويل القامة يرتدي بذلة سوداء اللون و قبعة سوداء على رأسه , فأقترب مستر فرنسوا من المحقق دانيال و قال : " المعذرة يا سيدي , ما الأمر ؟؟ " ثم التفت حوليه و قال : " لماذا رجال الشرطة يحيطون ببيت السيد باندريك ؟ "
ثم قال بلهجة قلقة : " ما الأمر " فحاول المحقق ان يهدئه ثم قال : " أنا المحقق دانيال من إدارة مكافحة جرائم القتل , نحن هنا بسبب مقتل السيد روبيرت باندريك " قاطعه المحامي قائلا بصراخ و بعنف : " هل أنت جننت ؟ , من الذي يستطيع ان يقتل السيد روبيرت "
انزعج المحقق دانيال من لهجته ثم قال : " سيدي انا اقدر موقفك و لكن من فضلك اهدأ قليلا " ظل مستر فرانسوا ينظر حوليه حتى قال : " أين هو .. ها .. أين هو ؟؟ " فطلب المحقق من الآنسة كليرا مرافقته الى مسرح الجريمة دخل المحامي باضطراب فوجده ملقى على سرير تابع للتحقيق لنقله الى المشرحة و مغطى بكامل , و عندما تأخر مستر فرانسوا هناك , قرر المحقق دانيال زيارته بنفسه ... - " سيدي من فضلك تعال معي ؟ " و لكن مستر فرانسوا المعروف عنه قوة القلب كاد ان يفطر قلبه من بكاءه على صديقه روبيرت فنظر الى المحقق و قال بعنف : " هل عرفتم من مرتكب تلك الجريمة ؟؟ , هل عرفتم من هو ؟ " أجابه المحقق دانيال بهدوء : " لا يا سيدي , ليس بعد ! و لكن من فضلك اهدأ و تعال معي , أود ان اطرح عليك بعض الأسئلة "
* * * * * * *
طرح المحقق دانيال بعض الأسئلة الخفيفة على المحامي و كان يجيب بتلقائية و لكن عندما ذكر اسم سارة ضمن التحقيق اشتعل غضبه و أجاب بشدة قائلا : " من ؟؟ , سارة ؟؟ " فقال المحقق دانيال باستغراب : " بلى , سارة ! " وقف المحامي و قال : " لا أيها المحقق , أنت لا تعرف سارة جيدا , أنها لا تستطيع ان تأذي بعوضة , ثم .. ثم أين دليل اتهامك لهاأيها المحقق ؟ "
اخرج من جيبه ذلك الخطاب و قال : " بما تفسر وجود هذا الخطاب على مكتب السيد بنادريك " فتناول المحامي منه الخطاب و أخذ يقرأه بتأني حتى بعد ثواني جلس على مقعده ثم قال : " لا ليست سارة مرتكبة هذه الجريمة , و لا اظنها بأنه قد تكون بهذا الغباء كي تترك دليل إدانتها بهذه السهولة " ثم أضاف : " هل حققت مع سوزان مديرة أعماله ؟ " فأجاب بتردد : " بلى , لكن لم استطع الحصول على إجابة نافعة , سوى ان هناك رجل غريب قد زاره قبل وقت وقوع الجريمة و هي تعتقد بلا شك بأنه هو القاتل "
فقال المحامي : " ان علاقة سارة بعمها أشبه ما تكون علاقة الفتاة بأبيها , بعد وفاة براد منذ عشر سنوات كانت تقطن مع عمها في نفس ذات البيت , و لكن قررت السفر الى فرزنو من اجل عملها , السيد روبيرت لم يحَرم ابنة أخوه من أي أمنيات او أي طلبات كانت تخطر على بالها "
- " أنا لا أوجه التهمة لها , و لكن ما هو تفسيرك وجود خطاب كهذا و في هذا الوقت بالتحديد ؟ " فأجاب المحامي بثقة : " بالتأكيد انه كتَب هذا الخطاب قبل قدوم الجاني مباشرة , و قد يكون اقتحم البيت بدافع السرقة " - " على العموم بجب ان أقابل غدا كلا من زار السيد روبيرت قبل مقتله مباشرة " - " و ماذا عن سارة ؟؟ " أجاب بتردد : " سوف اجعلها في آخر قائمتي " ثم أضاف في النهاية : " هل يمتلك السيد روبيرت مسدسا ؟؟ " - " بلى " - " هل تعرف نوعه ؟؟ " - " لا , لأني لا افقه عن أنواع الأسلحة النارية و لكن انا اعرف شكل مسدس السيد روبيرت "
فأخرج المحقق دانيال من درج مكتبه كيس بلاستيكي بداخله المسدس الذي وجده مع الضحية , و قال له : " هل هذا هو المسدس ؟؟ " نظر نحو المسدس و قال مسرعا : " لا " فأعاده المحقق الى درج مكتبه , و بسرعة قال فرانسوا : " و لكن لقد قال لي ذات مرة بأنه سوف يشتري مسدسا آخر " سكت ثم أضاف : " فقد يكون ذلك المسدس "
* * * * * *
في صباح اليوم التالي طلب من مساعدته ضبط السيد براين جونزي فلم يتوانى عن التحقيق معه فقال له المحقق : " مرحبا بك مستر جونزي " فأجابه بكل هدوء : " أشكرك سيدي , هل أستطيع معرفة دعوتي لمكتب التحقيقات " شخصية براين جونزي شخصية جذابة و هادئة بطبعها , بالرغم من وجه الدائري و عيناه الصغيرتين اللتان تتسم بالدهاء و لكنه طيب القلب و هذا ما قرأه المحقق دانيال في شخصيته ...
- " سيدي , أأسف لإخبارك مقتل السيد روبيرت باندريك مساء أمس بطلق ناري " صرخ براين على الفور : " ماذا ؟؟؟ ... , هل أمسكتم من فعل تلك الفعلة الشنيعة ؟؟ " عدل موضعه ثم قال :" ليس بعد , و لكن على حد معلوماتي انك قمت بزيارة الضحية أمس الساعة التاسعة صباحا , أليس كذلك "
فأجابه : " الساعة التاسعة و الخامسة عشرة دقيقة تحديدا " - " ممتاز , هل تستطيع ان تخبرني ما هي طبيعة العلاقة بينك و بين الضحية ؟؟ " - " انا براين جونزي مدير شركة بيزك كيميكال , كان قد عرض علينا السيد باندريك منذ ثلاث اشهر بأنه يود مشاركتنا في مشاريعنا و لكننا رفضنا , و أمس طلب مقابلتي على سبيل معرفة سبب رفضنا له بالمشاركة " ثم ضحك ضحكة خفيفة ثم قال : " انا لا اعرفه , و لكني اعرف مشاريعه جيدا و بحق السماء ساكرامنتو أصابها خسارة كبيرة بفقدان هذا الرجل " فقال المحقق دانيال : " هل لي معرفة ما هي تلك الأسباب التي تمنع شراكة رجل مثل هذا مع شركة مثل شركتكم ؟؟ "
- " بالطبع سيدي و يبدو انك محقق محنك " ثم أضاف : " على العموم , شركتنا تتكون من ثلاث مجلس إدارة و اثنان مدراء , هذا الرجل تعدى قد تعدى الستون من عمره , و الى الآن أعماله تتمثل بشكل فردي , ليس لديه مدراء او شركاء " فقال المحقق بسرعة : " و ما برأيك سبب إلحاح السيد روبيرت لشراء أسهم في شركتكم ؟؟ " - " صدقا لا اعرف "
اندهاش المحقق دانيال ثم قال : " حسنا سيدي , ما هي طبيعة عملكم تحديدا ؟؟ " أصدر براين صوت غير مفهوم ثم قال : " نحن نعمل في المنظفات و المواد الخشبية و المبيدات الحشرية و دباغة الجلود و خلافه ... " وقف المحقق دانيال و قال له : " أشكرك مستر جونزي على قدومك , تستطيع ان تتفضل الآن " وقف براين جونزي و قال : " على الرحب و السعة , اذا أردت التحقيق معي مجددا تستطيع الاتصال بي وقتما تريد , مع السلامة " وغادر براين جونزي على الفور .. ..
فطلب مقابلة الآنسة نادين , فتاة ذات أصول عربية تتمتع بالجمال العربي شعرها اسود طويل يصل الى أسفل ظهرها عيناها عسليتان , دائما تتحرك بهدوء كثيرا ...
دخلت الآنسة نادين مكتب المحقق فرحب فورا بها و دعاها إلى الجلوس و طلب لها كأس من الليمون .. فأخذت الآنسة نادين رشفة من الليمون ثم قالت بلهجة أمريكية ركيكة : " هل لي اعرف سبب قدومي الى هنا ؟ " - " بالطبع يا آنستي " فقال لها بتردد : " أنتي عربية , أليس كذلك ؟ " - " بلى "
موضوع: رد: في مسرح الجريمة قصة بوليسية ( على حلقات بقلم محمود غسان ) الأربعاء نوفمبر 23, 2011 3:58 am
الحلقة الثالثة * * * * * *
فطلب مقابلة الآنسة نادين , فتاة ذات أصول عربية تتمتع بالجمال العربي شعرها اسود طويل يصل الى أسفل ظهرها عيناها عسليتان , دائما تتحرك بهدوء كثيرا ...
دخلت الآنسة نادين مكتب المحقق فرحب فورا بها و دعاها إلى الجلوس و طلب لها كأس من الليمون .. فأخذت الآنسة نادين رشفة من الليمون ثم قالت بلهجة أمريكية ركيكة : " هل لي اعرف سبب قدومي الى هنا ؟ " - " بالطبع يا آنستي " فقال لها بتردد : " أنتي عربية , أليس كذلك ؟ " - " بلى " - " من أين ؟؟ " - " من سوسة من تونس الخضراء " سكت قليلا ثم قال بتردد دون النظر إليها : " حسنا , أنا أأسف لإخبارك بأن السيد روبيرت باندريك قد قتل أمس ...." فجأة ارتفع الدم الى رأسها و احمر وجهها و نهضت على الفور و قالت و كأن تريد تكذيب الأمر : " من ... من الذي قــُتل ؟؟ " - " سيدتي من فضلك اجلسي " بدأت بالبكاء ثم قالت بلهجة غريبة : " من .. من الذي قتله ؟؟ " فلم تستطيع نادين ان تتمالك أعصابها , وفجأة سقطت فاقدة للوعي , فنهض المحقق دانيال مسرعا و صرخ إلى احد المعاونين لمساعدته . . .
بعد مرور خمس دقائق تقريبا استيقظت نادين و هي في حالة إعياء شديدة , ظلت تهذي بكلام غير مفهوم للجميع حتى رأت أمامها المحقق دانيال فقال لها : " حمد لله على سلامتك "
* * * * * *
بدأ المحقق دانيال بتحقيق مع نادين بعدما تمالكت أعصابها و استعدت قواها ..
- " ما هي طبيعة عملك مع السيد باندريك ؟؟ " أجابته ببطء : " أنا مترجمته لعملائه في الشرق الأوسط "
فقال المحقق : " منذ متى و أنتي تعملين معه ؟ " مسحت دموعها بواسطة المناديل الورقية ثم قالت : " قرابة أربع سنوات " - " هل هناك من يدور حوله أصابع الاتهام في رأيك ؟؟ "
فصرخت و قالت : " و هل هذا عملي يا سيادة المحقق ؟ " فقال بحـدة : " أنا اقصد أن هل هناك شخص ما ترتبكي في أمره ؟ " - " لا سيدي " - " حسنا , مدام سوزان قالت بأنك عندما انصرفتِ زاره رجل غريب الشكل - تستطيع سوزان ان توصفه لك - بعد الساعة الثالثة و النصف عصرا ...... " فأجابت بجفاء : " كيف لي ان اعرف هذا الرجل ؟ , انا مجرد مترجمة له " ظهر على وجه علامة اليأس و الحيرة فقال لها : " حسنا آنستي , أنتي تعرفي سارة , أليس كذلك ؟ " ظلت تفكر قليلا حتى قال لها : " سارة بنت أخيه براد " - " بلى , ما أمرها " - " متى آخر مرة رأيتيها في منزله ؟ "
ظلت تفكر قليلا حتى قالت : " شهر أغسطس الماضي .. نعم منذ ثلاث اشهر تقريبا " - " هل كنتِ ترين كيف كان يعاملها ؟؟ " استغربت نادين لسؤاله ثم قالت : " لماذا أنت مصَر على إقحامي في شئون ليست من اختصاصي ؟ " فقال لها بتهديد : " يا آنستي , كل من على مقربة منه مدان و محض الشبهات حتى اعرف انه بريء و اذا لم يكن مدان فهو شاهد بالنسبة لي , لذلك تعاوني معي ... " - " سيدي , سارة تحب والدها جدا ... " - " مهلا والدها المتوفى أليس كذلك ؟ " فأجابت بعفوية : " لا , السيد روبيرت بمثابة والد سارة .... "
بكت نادين مرة أخرى ثم قالت : " ليس لدي ما أقوله لك سوى أنها كانت تحب السيد روبيرت كثيرا , و كانوا يتبادلون الخطابات دوما " - " حسنا يمكنك ان تنصرفي "
انتصبت نادين و همّت لمغادرة المكتب حتى استوقفها المحقق دانيال قائلا : " و لكن ... وجدنا خطاب مكتوبة بالآلة الكاتبة و عليه توقيعه بأنه أحُـيل كل أملاكه إلى فتاته الوحيدة سارة براد باندريك "
قد تعمد المحقق ان يلقي تلك السكينة الجارحة في نهاية الحوار كي يعرف ما في نواياه هذه الآنسة و لكنها صدمته قائله : " يا سيدي سارة فتاة ذكية و مطيعة , أنها تستحق أكثر من ذلك "
* * * * * *
" سارة "
دخل المعاون و هو يقول : " سيدي , في انتظارك آنسة تدعى سارة باندريك " عدل سترة بذلته ثم قال : " حسنا دعها تتفضل ... " دخلت فتاة شقراء , شعرها منسدل على كتفيها و تتحرك بكل خفة , فرحبت بالمحقق دانيال ثم جلست أمامه ثم سألته برقة : " مرحبا سيدي , ما الأمر الذي جعلك ان تستدعيني لأجله ؟ " - " حمد لله على سلامتك , ثم ... " قالها المحقق ثم سكت , فقالت له بترقب : " ثم ماذا ... ؟ " عدل نفسه بسرعة و قال : " اقصد يجب ان تستريحي قبل التحقيق معك ؟ " أصاب سارة الاستغراب و قالت: " التحقيق معي ؟؟؟ ماذا حدث حتى تستدعيني للتحقيق ؟؟ " نظر إليها بيأس و قال : " في مقتل السيد روبيرت باندريك .. "
لم يكن من حسن حظه او حظها ان تسمع خبر مثل هذا , لم يسعها ان تلقي بنفسها من النافذة و لكن اكتفت بأنها صرخت صرخة شديدة و قالت : " أبي .... " و سقطت على الأرض ...
حاول الجميع إيقاظها فظلت تهذي بلهجة غريب : " أبي , أبي , أبي " فحاول المحقق و بمساعدة الآنسة كليرا مساعدتها للجلوس على كرسيها مرة أخرى , فأخذ من أمامه كأس من الماء و قدمه لها : " تفضلي ماء " تناولت بيديها كأس الماء و هي ترتعش بشدة مما أوقع بعض قطرات الماء على ملابسها , فأخذت رشفة منه ثم قالت : " من فضلك اخبرني بأنك تمزح معي , أبي لم يمت , من فضلك سيدي " حاول ان يهدئها : " اهدئي من فضلك " سكتت فجأة ثم قالت : " من فضلك عليّ الذهاب إلى دورة المياة " أشار بيده ثم قال : " حسنا تفضلي من هنا ... " حاولت سارة النهوض و لكن كادت ان تسقط لولا مساعدة الآنسة كليرا لها ..
* * * * * *
- " هل أنتي على استعداد للإجابة على أسئلتي الآن ؟؟ " أخذت نفـَس من أنفها المحمِر ثم مسحت عيناها بمنديل ورقي ثم قالت وعيناها تنظر نحو الأمام : " بلى تفضل " اخذ المحقق دانيال يقلـّب في محتويات الورق التي أمامه ثم قال : " متى آخر مرة كنتي على اتصال بعمك ؟ " أجابت بعد ثوان : " أمس " صُدم المحقق ثم قال : " ماذا ؟؟ , متى ؟ " - " لا اعلم ... تقريبا الساعة الرابعة عصرا " نظر المحقق دانيال الى مساعدته الآنسة كليرا ثم نظر مجددا إلى الآنسة سارة و قال : " و بماذا أخبرك ؟ " قالت بهدوء : " قال بلهجة متوترة بأنه يحبني جدا , و انه يحـّضر لي مفاجأة سوف اعلمها بنفسي قريبا "
سمع منها ثم قال بتردد : " حسنا , السيد روبيرت قد .... " سكت لثواني , فأخرج من درج مكتبه الخطاب الذي وجده في مسح الجريمة , أعطاها أيا و قال : " تفضلي " تناولته سارة بحذر شديد ثم قالت في نفس حالتها : " ما هذا ؟؟ " أشار المحقق بيده و قال : " تفضلي " فتحت سارة الخطاب و بدأت تقرأ ما سطـّر روبيرت حتى صرخت و قالت بلهجة تهديد : " لا أريد شيء , أريد اعرف من قتل أبي , من الذي قتله ؟؟؟ " فأجابها المحقق بتأني : " لا تقلقي يا آنستي , لن يفلت الجاني بفعلته ... " ثم أضاف بعدما هدأت : " هل هناك شخص معين - برأيك - قد يكون مشترك في مقتل عمك ؟؟ " ظلت تفكر سارة قليلا و قالت : " لا , أنا لا اعرف جميع أصدقاء أبي " - " حسنا , متى كانت زيارتكِ الأخيرة لبيت عمك ؟ " ظلت تفكر بحيرة : " لا أتذكر بالتحديد , تقريبا ثلاث اشهر " نظر الى المجلدات التي أمامه و استرق جملة ثم قال لها بهدوء : " أنتي على علاقة بصديقك فريد , أليس كذلك ؟ " - " بلى " حرك يديه و قال : " و هل سوف تتزوجا ؟؟ " بقت سارحة قليلا ثم قالت ببطء : " انه مميز , و أنا أحبه و نحن نقضي معظم أوقاتنا كننا زوجان , و هو أيضا يحبني و لكنه فقير " - " حسنا , لماذا لم تتزوجا بعد ؟؟ " فقالت بتلقائية : " لأنه فقير " ظهر على وجه المحقق علامة اليأس : " لا بأس , من فضلك يا آنسة لديك غرفة محجوزة في فور سيزون اوتيل تستطيع ان تقيمي هناك حتى نسمح لك بالعودة الى ديارك " - " أريد ان أرى أبي , من فضلك "
فقال لها بتردد : " لا أظن أنها فكرة مناسبة لكِ " - " لماذا ؟ " - " انه الآن في المشرحة و .... " سرت في جسدها القشعريرة عندما سمعت لفظ المشرحة فصرخت و قالت : " ماذا ؟؟ " ثم أضافت بسرعة و بصراخ عالٍ : " ماذا تفعلون بأبي ؟ " فحاول أن يهدئها : " من فضلك سوف اسمح لك برؤيته قريبا قبل الدفن " بكت سارة بكاءً شديداً فحاولت الآنسة كليرا مرافقتها حتى خرجت من مكتب التحقيقات ..
* * * * * *
لقد أصاب محققنا الجنون , فلم يعد يدري من هو القاتل الحقيقي و ما مصلحة سارة بينهم , الجميع يتصنع الحزن الشديد على الفقيد و الجميع يتمنى ان يكون حيّاً الآن ...
لم يعد المحقق دانيال قادر على الاحتمال و هو يرى غريمه أمامه يتحكم في أعصابه و لم يعد النائب العام يطيق صبرا على استغلال الوقت دون فائدة ...
لذلك قرر المحقق زيارة مسرح الجريمة مرة أخرى و يحاول دراسة ظاهرة القتل او الانتحار ..
موضوع: رد: في مسرح الجريمة قصة بوليسية ( على حلقات بقلم محمود غسان ) الأربعاء نوفمبر 23, 2011 4:00 am
الحلقة الرابعة
*
" انتحــار ! "
بدأ المحقق يراقب مسرح الجريمة عن كثب , فقالت له الآنسة كليرا : " لقد حطمت المرآة بسبب شجار , أليس كذلك ؟ "
بينما الآنسة كليرا تنتظر الرد بـ " نعم " و لكن المحقق يقترب من المرآة أكثر فأكثر حتى قال : " لا , لم تتحطم اثر شجار " فقالت الآنسة كليرا مستغربة : " لماذا ؟ " التفت إليها و اقترب منها و قال : " أن روبيرت باندريك قد انتحر .. " - " ماذا تقول ؟ "
- " لست متأكد من هذا , و لكن المرآة محطمة و بدون أثار دماء او خدوش على الضحية , و هناك رصاصة لا نعرف أين هي , و بصمات المجني عليه على الهاتف , و الآلة الكاتبة و المسدس , هذا يكفي بأنه قد انتحر .. " فقالت الآنسة كليرا مسرعة : " او قاتل محترف "
قال المحقق : " المجني عليه قرر الانتحار لأسباب غير معلومة , فكتب خطاب يفيد بأنه أحـُيل كل ثروته إلى ابنه أخيه براد , فأخرج مسدسه من الدرج ثم وقف أمام المرآة و كأنه يحدث نفسه فأطلق رصاصة نحو المرآة فكسرها - لتجربة المسدس مثلا - ثم امسك المسدس بيده بقوة و صوبه نحو قلبه و أطلق الرصاصة فأردته قتيلا "
صرخت فجأة و قالت : " حسنا , لماذا لم يذكر بأنه سوف ينتحر في الرسالة ؟؟ " ضحك المحقق دانيال و قال : " يريد ان يضعنا في حيرة " فجأة قالت : " و حتى إذا كان قــُتل , كان من المفترض ان يجبره ان يكتب بأنها حادثة انتحار " ضحك المحقق و أشار بإصبعه و قال : " العكس تمام , اذا كان القاتل اجبره ان يكتب في خطابه بأن هذا حادثة انتحار , سيعرف جيدا بأن الشرطة سوف تدقق و تحقق أكثر , لكن في هذه الطريقة جعلها مبهمة " ثم أضاف : " أما الرجل الغريب فلم يرتكب الجريمة , أني أبرئه دون أن اعرفه "
جلست الآنسة كليرا في حالة من التعب و قالت : " و ماذا سوف تفعل الآن , سوف تسُجل بأنها حادثة انتحار و أنت غير مقتنع بهذا "
نظر إليها بيأس دون أن يجيبها . . . .
* * * * * * *
" تحليل آخر "
رن جرس الهاتف فأستيقظ المحقق دانيال و بصوت خافتا قال : " مرحبا " فسمع صوت الآنسة كليرا تقول له : " هل أنت نائما , هيا بنا , الساعة قاربت على ... " فقاطعها مسرعا : " حسنا .. حسنا أنا قادم .. " ارتدي ملابسه و ذهب إلى المحامي فرانسوا و طلب منه الخطاب الذي كتبه المجني عليه .. و سأله عن حال سارة , قال بأن حالتها أصبحت مزرية و لا يعرف طريقة للتعامل معها .. فسأله : " هل حصلت على ممتلكتها ام ليس بعد ؟ " ضحك المحامي و قال : " بالطبع لا , لم يتم دفن المتوفى بعد حتى تنتهي الحكومة من تسليم تلك الكيانات الضخمة لفتاة لم تتجاوز الخمس و العشرون من عمرها , كما أني سوف اقترح على سارة بأن تسلّمها الى رجل ناضج يستطيع إدارتها " - " هل تقصد أنها سوف تتزوج ؟؟ " - " بلى ذلك الشاب فريد التي تحبه " فسرعان ما أصابه قشعريرة تسري في جسده فقال و كأنه يحدث نفسه : " فريد ! " فتركه و غادر المكتب و هو يقول : " سوف أرد لك الخطاب غدا " فأشار المحامي إليه و قال : " لك هذا "
* * * * * *
الشخصية الوحيدة التي استبعدها المحقق من دائرة الشك هو فريد , صديق سارة .. بالرغم بأن لا تتصل بين روبيرت و فريد أي علاقة , و لكن لماذا أهمله المحقق منذ البداية ؟؟
جلس المحقق على كرسي مكتبه و أخذ يقرأ في خطاب السيد روبيرت مرارا و تكرارا : " أنا روبيرت باندريك , اكتب هذا و انا بكامل قواي العقلية , أحُيل ممتلكات عائلة باندريك جميعها الى وريثتي الوحيدة سارة براد باندريك بنت أخي براد باندريك المتوفى التي تقيم في فرزنو دون قيد او شرط .... توقيع روبيرت باندريك " حتى وقع عيناه على التوقيع " روبيرت باندريك "
فقال في نفسه : " قد يكون هذا التوقيع مزور " فطلب المحقق بيرو المجيء بسرعة كي يتحقق من هذا الأمر , فجاء بالنتيجة بعد ساعة , - " سيدي , التوقيع حقيقي للسيد روبيرت باندريك , و مكتوب باليد اليسرى " تناول الخطاب منه ثم قال له : " حسنا أشكرك , تفضل أنت ! "
وضع الخطاب على المكتب حتى صرخ فجأة و قال : " ماذا قلت للتو ؟؟ " توقف المحقق بيرو بذعر و التفت إليه و قال بتردد : " التوقيع حقيقي للسيد ... "
نظر المحقق الى الخطاب و قال بابتسامة : التوقيع بيده اليسرى ؟؟ إذن هو أعسر , لماذا قتل نفسه بيده اليمنى و كيف أصاب القلب مباشرة ؟؟ "
رفع سماعة الهاتف و طلب الآنسة كليرا و اخبرها بأن تأتي إليه فورا , بينما طلب من المحقق بيرو مغادرة المكتب الآن .. ثم طلب الحديث مع المحامي فرانسوا و دار بينهم حديثا مطولا بخصوص حالة المجني عليه و علاقته بمعارفه و مع مرور بعض الوقت جاءت الآنسة كليرا باهتمام تستفسر عن سبب طلبه لها ..
- " اسمعي جيدا , المجني عليه .... لم ينتحر كما أثبتنا من قبل , بل قــُتل " نظرت إليه بيأس : " من حسن حظك ان القضية لم تغلق بعد , لكن هل له فائدة ؟ " - " بالطبع , اذا توصلنا الى الحقيقة سوف نزج بالجاني السجن " - " و كيف عرفت ؟ "
- "روبيرت باندريك أعسر , لماذا قتل نفسه بيده اليمنى ؟ , و اذا كان ذلك صحيح , كيف يصيب القلب مباشرة , و على فرض بأنه امسك المسدس بيده اليمنى و وجهه نحو قلبه مباشرة , في كلا الحالتين لا يستطيع ان استخدام المسدس ... " - " لماذا ؟؟ " - " قبل ان تأتي بدقائق اتصلت بالمحامي فرانسوا و سألته بخصوص يد الضحية , فاخبرني بأنه يعاني بضعف في أعصاب يديه اليمنى منذ الصغر , لذلك يعتمد على يده اليسرى اعتماد كلي "
سكت ثم قال بلهجة انتصار : " كيف قتل نفسه اذن ؟ "
ابتسمت الآنسة كليرا و قالت : " أنت داهية ! " ثم أضافت : " و لكن انتظر انتظر ... من الذي قتله إذا ؟؟ " - " الرجل الغريب الذي زاره الساعة الثالثة و النصف قبل وقوع الجريمة بنصف ساعة " - " و من هو ؟؟ " ظل يفكر حتى قال ببطء : " لدي شعور بأن سارة هي المسئولة , لذلك سوف استدعي صديقها فريد للتحقيق "
* * * * * *
لم يكن يتوقع المحقق دانيال هيئة فريد مهما حدث إلا إذا رآه بعينه ... شاب وسيم ابيض البشرة , شعره ناعم يرتدي نظرات رخيصة , عمره لا يتعدى الثلاثين , على أي حال رحب به المحقق دانيال و تمنى له ان يكون قد استمتع بالرحلة ..
وجه فريد أولا سؤاله بحدة : " المعذرة بالرغم من اشتياقي لزيارة ساكرامنتو إلا إنني أود معرفة سبب مجيئي الى هنا " ابتسم المحقق دانيال و نظر إلى مساعدته ثم التفت الى فريد و قال له : " الم تعرف ان عم سارة قد قــُتل "
ضحك فريد ثم قال : " بلى اعرف و لكن على ما أظن انه انتحر , ثم ما علاقتي أنا بهذا الموضوع برمته " ثم أضاف : " حسنا , ماذا تريد مني ؟ " - " أتمنى ان تفتح صدرك لي و ان تجيب على جميع أسئلتي " أجاب بتلقائية مع ابتسامة مصطنعة : " تفضل "
- " ما هو عملك ؟ " وضع حقيبته أرضا و قال : " اعمل مشرف في مكتبة بارنز اند نوبل في شارع بلاكستون لبيع الكتب و القصص و خلافه .... " - " متى آخر مرة زرت بها ساكرامنتو ؟ "
- " منذ أربعة اشهر او اقل قليلا , كنت مع سارة " - " لماذا ؟ " - " السيد روبيرت دعانا الى الإقامة معه أسبوعا كاملا في ساكرامنتو " - " أنت تقصد ان روبيرت كان يعرفك حق المعرفة " - " بلى , و ما هو هناك كي أخفيه " - " هل معك جواز مرور ؟؟ " - " بالطبع " فأخرج من جيب السترة الجلدية جواز مرور و قدمه إلي محقق , فتناوله منه و بدأ يتأمل محتوياته و قال له : " حسنا تفضل " و رد جواز مروره إليه مرة أخرى ...
- " لماذا لم تتزوج سارة الى الآن ؟ " ابتسم ابتسامة مصطنعة ثم قال : " اعتقد يا سيادة المحقق ... هذه أمور شخصية "
ضحك المحقق دانيال بشدة ثم هدأ و قال : " هذه جريمة قتل يا مستر فريد , و الأمور الشخصية إلي تتحدث عنها , تفيد التحقيقات مهما كانت تافهة " - " بلى و لكن اعتقد ان الرجل قـَتل نفسه , أليس هذا ما قيل ؟ " - " مستر فريد , انا فقط الذي يطرح الأسئلة هنا , حسنا ؟؟ " و عندما هدأ الطرفين : " لماذا لم تتزوج سارة إلى الآن ؟ "
فقال بسرعة : " لأني لا املك مالا كافِ لهذا , هل ارتحت ؟ " شعر المحقق بأنه أحرج فريد بسؤاله , و كي ينقل الحوار سأله سؤال آخر : " منذ متى و أنت على علاقة بسارة ؟ " - " تقريبا سنتين " - " ورثت سارة الآن مبلغ طائلا و كيانات ضخمة , ما رأيكم بالزواج الآن ؟ " نظر فريد الى المحقق بحدة و قال : " الى ماذا ترمي ؟ " فنظر إليه بتهكم و قال : " ما رأيك أنت ؟ " وقف المحقق و قال له : " لديك غرفة محجوزة لك في فورسيزون اوتيل , تستطيع البقاء هناك حيث انتهاء التحقيق , و لا تقلق لن يطول الأمر كثير "
التفت المحقق دانيال من الآنسة كليرا و طلب منها مقابلة مدام سوزان فأجابت قائلة : " لقد طلبت بنقل مكان إقامتها الى بيت أهلها , سوف استدعيها اليوم إذا أردت " - " حسنا لا بأس "
* * * * * *
كان عليه الآن و ها قد شارفت الحقيقة على الظهور زيارة مدام سوزان ... كان المحقق يريد التأكد لماذا لم يطلب هذا الرجل الغريب موعد مسبق كباقي العملاء ؟ ..
- " المعذرة سيدي , لقد علمت بأن القضية سجلت انتحار , أليس كذلك " قالت تلك العبارة مدام سوزان , و لكن كانت لهجتها تدل على استياء من الموقف . فأجابها المحقق : " نعم ذلك صحيح , و لكني أود منك ان اعرف بعض التفاصيل " - " تفضل " - " اولا , كيف كانت علاقة فريد بالسيد روبيرت " - " ممتازة جدا , لقد رحب به منذ آخر زيارة له مع سارة , و مكث معنا قرابة اسبوع " ظل يفكر المحقق قليلا ثم قال : " في سجلات مواعيد السيد روبيرت باندريك يروي بأن براين جونزي سوف يزوره يوم وقوع الجريمة و كذالك شركة المقاولات التي اعطتيها موعد في اليوم التالي " سكت ثم قال : " حسنا , الرجل الغريب الذي ذكرتيه لنا , لماذا لم يحصل على موعد مسبق ؟ , و أن يكن ... لماذا سمحتي له بالدخول على سيدك ؟؟ "
ارتبكت قليلا ثم قالت : " أنا لم يدور في ذهني شيئا كهذا , ثانيا لقد اقتحم البيت بطريقة همجية , و طالب بمقابلة سيد باندريك بالقوة فلم أستطيع ردعه " ابتسم المحقق دانيال ثم قال : " عظيم جدا , و لكن ... لماذا لم تذكري هذا في التحقيق من قبل ؟ "
* * * * * *
قالت المساعدة الآنسة كليرا له في غرفة مكتبه : " ما الأمر ماذا حدث ؟ " نظر إليها و قال : " سوزان كاذبة " - " كيف عرفت ؟؟ " وقف ثم قال : " سوزان اختلقت لنا شخصية وهمية في خيالها بأنه رجل غريب الشكل دخل مكتب السيد روبيرت و مضى قرابة ساعة , و فعل فعلته .. و فر هاربا ,.. " ثم أضاف : " و لكن لابد ان هناك شخص آخر لأنها لا تستطيع ان تقوم بهذا وحدها "
ثم أضاف بعد دقيقة : " أريد سارة ان تتعرف على جثة عمها " - " حسنا سيدي " قالتها و غادرت المكتب فورا
لم يكن من السهولة ان تقف سارة الفتاة البريئة أمام جثة اقرب الناس إليها , بالرغم من أنها لم تعترض عن التعرف على جثة عمها , إلا أنها كانت خائفة بشدة , ...
وقفت سارة أمام جثة السيد روبيرت و هي مغطاة كاملا بالقماش الأبيض , فذرفت بعض الدموع حزنا على فقدانه , فقالت له : " لماذا تركتني , لماذا سمحت لهذا السفاح ان يقتلك , سوف ادعوا الله ان تكون في عالم أفضل , أتمنى ان أموت معك الآن و ندفن سويا " أمسكت يديه اليسرى بعنف و هي تقول : " لم يعد لي في هذه الدنيا احد "
بينما المحقق يريد إنهاء تلك اللحظة الحزينة حتى سمعها تقول : " هل القاتل جرح أبي ؟؟ " التفت إليها و قال : " المعذرة ماذا قلتي ؟؟ " فاقترب منها أكثر فقالت : " لم يكن لدى كفه الأيسر نذبة كهذه , هل القاتل جرحه ؟ " فرأى تلك النذبة التي تشكل شكل المثلث , بقيّ المحقق دانيال جامدا , لا يريد ان يأتي بحركة , فهو محرجا من نفسه , كيف له ان يفوت عليه نقطة هامة كهذه , فطلب من الطبيب عمل نموذج من الورق المقوى يشكل شكل المثلث بنفس حجم تلك النذبة .. ثم قال لها : " المعذرة يا آنستي علي ّ الذهاب الآن " فتركها و مضى سيره بعدما حصل على هذا النموذج
غادر المشرحة بسرعة و أخذ سيارته و انطلق نحو بيت السيد باندريك , وفي أثناء سيره اتصل بالآنسة كليرا و عندما سمع أجابتها قال : " من فضلك انتظريني في بيت السيد باندريك , انا في طريقي الى هناك "
موضوع: رد: في مسرح الجريمة قصة بوليسية ( على حلقات بقلم محمود غسان ) الأربعاء نوفمبر 23, 2011 4:02 am
الحلقة الخامسة و الأخيرة * * * * * * * * * *
غادر المشرحة بسرعة و أخذ سيارته و انطلق نحو بيت السيد باندريك , وفي أثناء سيره اتصل بالآنسة كليرا و عندما سمع أجابتها قال : " من فضلك انتظريني في بيت السيد باندريك , انا في طريقي الى هناك "
* * * * * *
جميع أفراد الأمن يحيطون بالمنزل فأخبره احدهم قائلا : " من فضلك غير مسموح للمدنين بالتجوال هنا " و لكن كانت عين المحقق ترصد مكتب الضحية , فالتفت إليه و اخرج إليه شارته فسمح له بالدخول دخل المحقق مسرح الجريمة مرة أخرى و بدأت عيناه تلاحظ شيئا غير معهودا فجأة سمع صوت الآنسة كليرا فالتفت نحوها و قال : " الحل في هذا المرآة " فقالت باستغراب : " كيف ؟ " اقترب المحقق من زجاج المرآة المحطمة , ثم اخرج من جيبه النموذج الذي حصل عليه من الطبيب و بدأ مقارنة جميع قطع الزجاج المحطم بهذا النموذج . . . .
تلك الفكرة لم تكن تخطر على قلب بشر , بما ان السيد روبيرت أعسر , و قــُتُل , إذن حاول الدفاع عن نفسه بواسطة قطع الزجاج المحطم لذلك جرح نفسه من شدة قبضته لها و في هذه الحالة لابد و انه الحق الضرر بالجاني ...
بعد مرور ساعة استطاع المحقق دانيال إيجاد قطعة الزجاج التي حاول الضحية الدفاع بها عن نفسه , التقطها بحرص شديد ووضعها في كيس بلاستيكي . .. بعد ذلك قال للآنسة كليرا : " خذي هذه إلى مكتب التحقيق الجنائي لمعرفة النتيجة , قد يكون عليها بعض عينات الحمض النووي للجاني فنستطيع تحديد هويته .. " ثم أضاف بعدما أزال الأتربة من على ملابسه : " أما أنا سوف أرسل طلبا لأخذ عينات من دم فريد و سوزان و نادين و .... و سارة "
- " هل ترتبك لأمر فريد و سارة ؟ " قال لها : " من الواضح على فريد انه شخصية طيبة و لا يستطيع القيام بمثل هذه الأعمال و لكن الاحتياط واجب في مثل هذه الأمور أما سارة .... فلا اعلم "
لم يمضى سوا ثلاث ساعات حتى كانت النتيجة أمام مكتب المحقق دانيال . . . .
" الحقيقة "
بكل جدارة استطاع المحقق دانيال الإيقاع بالجاني دون أن يعترف , و لكن في طبيعة الحال سوف ينكر التهمة الموجه له , و مع الدلائل المتاحة لديه يستطيع تسليمه للعادلة و الحكم به دون شك او ريب .... و من ذكاء المحقق دانيال , انه حاول بقدر المستطاع التصوير للجميع ما حدث و كأنه فيلم سينمائي ...
دخل المحقق دانيال مسرح الجريمة للمرة الأخيرة و طلب من مساعدته الآنسة كليرا إحضار سوزان و سارة و نادين و فريد و طلب منهم الاستماع فقط ..
أشار المحقق الى سوزان و قال : " مدام سوزان , لقد قلتي مسبقا بأن القاتل , او من تظنيه القاتل دخل على سيدك حوالي الساعة الثالثة و النصف عصرا , و اختلى به قرابة ساعة , و بعد ذلك شاهدتيه يغادر المنزل , أليس كذلك " - " بلى "
- " حسنا , و بعد ذلك قمتي بالاطمئنان على السيد روبيرت باندريك في مكتبه و لكن وجدتيه غارقا بدمائه " أشار بيده إليها فقالت : " بلى "
- " و لكن ماذا حدث ؟ , ما سبب تحطيم المرآة ؟ , ما سبب إطلاق رصاصتان من المسدس و لم نجد سوى رصاصة واحد في قلب الضحية ؟؟ , كان من المفترض ان يترك الجاني الرصاصة الأولى التي حطمت المرآة و ان لا يتخلص منها .. , حاول الجاني ان يربك التحقيقات , هل هي جريمة قتل , أم مجرد حادثة انتحار , فكل الشوائب تقول بأنها حادثة انتحار , لكن الجاني قد اخطأ فلم يعرف ان الضحية أعسر و قام بالتوقيع على الخطاب - الذي كتبه الجاني - بيده اليسرى , كيف يقتل نفسه بيده اليمنى , و الجاني لا يعرف اصلا ان الضحية تعاني بضعف في أعصاب يديه اليمنى و لا يقوى على استخدام أصابعه .. .. كيف يقتل نفسه ... , هذا لان الجاني لم يحتك مع الضحية سوى يومين فقط , ثانيا الجاني قام بكتابة الخطاب قبل ان يزور الضحية , لان آلة الكاتبة الموجودة على مكتب السيد روبيرت لا تحوي على مادة الكتابة و هي الحبر , و أنها معطلة و لم تستخدم منذ اشهر , لذلك قام الجاني بكتابة الخطاب حرصا ان يبعد تلك المسؤولية عنه لأنه على ثقة بأن الضحية لن ينصاع لأمره و يكتب ما يريد , و بالطبع لا يستطيع الجاني الكتابة و هو يرتدي قفاز جلدي ... , كيف عرف الجاني بأن الآلة الكاتبة لا تحوي على حبر للكتابة ؟؟ , لابد ان شخص ما قد اخبره بذلك , من الواضح ان الجاني , على دراية واسعة في أمور الجريمة , لأنه يمثل دورا ما قد كتبه مسبقا او قد قرأه مسبقا لأحد كتّاب القصص و الروايات العالميين "
ثم التفت الى فريد و قال : " لماذا تغيبت يوم وقوع الجريمة من عملك في المكتبة ؟؟ " ثم أضاف : " لا بل أنت تغيبت قبل وقوع الجريمة بثلاث أيام , ما السبب ؟ "
بدأ المحقق يتحرك في أرجاء الغرفة و هو يقول : " لم انتبه للنذبة التي على كف يديه اليسرى , توقعت منذ البداية انه مجرد جرح قديم , و لكن فجأة أعلمتنا سارة بأن لم يكن للسيد روبيرت أي جروح او نذب في كفه , و كي نتأكد , وجهت السؤال لمستر فرانسوا , محامي السيد روبيرت فأكد كلام سارة "
" من اجل ذلك , بدأنا نتأكد ان هذه النذبة من آثر زجاج المرآة المحطم , فحاول الضحية الدفاع عن نفسه و بالفعل أصاب الجاني في منطقة ما في جسده , مما توصلنا الى حمضه النووي و تحديد هوية الجاني و غير ذلك عرفت من مستر فرانسوا بأن السيد فريد و سارة قد زارا السيد روبيرت ثلاث أيام فقط , فلم يستطيع معرفة انه الضحية أعسر و يعاني بضعف في أعصاب يده اليمنى " فقال المحقق دانيال : " حقا , رجل مثلك يعمل في مكتبه اغلب الكتب تتحدث عن القتل و الجرائم الكاملة قد اخطأ " قالها لفريد ... صرخ فريد و قال بعدما احمر وجه : " اقسم لكم بأني لم اقصد ان اقتله , انه قتل خطأ " فاقتربت سارة من فريد و صفعته على وجه و غادرت مسرح الجريمة . . . .
* * * * * *
" الفكرة "
رفعت سوزان سماعة الهاتف و قال بصوت خافت: " السيد روبيرت الآن في الحديقة مع مترجمته العربية , حسنا سوف انتظرك " انصرفت الآنسة نادين و دخل السيد روبيرت مكتبه كي يباشر في إنهاء أعماله الخاصة عند الساعة الرابعة إلا ربع جاء رجل بشرته بيضاء , حسن المظهر , يرتدي قفاز جلدي , فأدخلته و قالت له : " هل جلبت معك الخطاب الخاص بسارة ؟ " فأجابها بترقب : " بلى " - " حسنا ها هو مسدس السيد روبيرت " تناول منها المسدس و قال لها : " هل في داخله رصاص ؟؟ " نظرت الى المسدس و قالت : " لا اعلم , على العموم لا تتهور , هيا ادخل انت " دخل هذا الرجل على مكتب السيد روبيرت بعنف و مشهر السلاح نحوه , فنهض روبيرت من مكانه و قال : " فريد ؟؟ ... ماذا تفعل هنا ؟؟ و ما هذا الذي تحمله بيدك ؟؟ " فصرخ و قال : " أصمت أيها العجوز " اقترب فريد منه و ألقى إليه الخطاب و قال : " قم بالتوقيع عليه فورا " نظر إليه روبيرت و قال : " ماذا تقول ؟؟ " صرخ فريد و قال : " هيا وقع اسمك هنا " فتناول روبيرت الخطاب و أخذا يقرأ ما به , ثم قال : " هل أنت جننت ؟؟ , سارة هذه ابنتي " - " ليس لك شأن بها , هيا قم بالتوقيع " جلس السيد روبيرت بكل يأس , ثم قام بتوقيع اسمه بيديه اليسرى على الخطاب , فتناوله فريد مبتسما حتى قال السيد روبيرت بعدما ذرف دموعه :" أريد أن أتحدث إلى سارة " و بسرعة أضاف : " لا تقلق , لن اخبرها بشيء " تناول السيد روبيرت الهاتف و اتصل برقم سارة و بقيّ على انتظار حتى سمع صوتها فقال لها بتوتر : " حبيبيتي , مرحبا كيف حالك " سكت قليلا ثم قال : " و أنا أيضا أحبك " ثم أضاف بسرعة : " هناك مفاجأة سوف تسريّ بها قريبا "
فرأى فريد يشير بيده ففهم منه انه يريد إنهاء المكالمة .. فقال لها : " حسنا يا حبيبتي علي الذهاب الآن "
و أغلق الهاتف و نظر الى أعين فريد بشدة , ثم قال : " سوف أعطي هذا الخطاب الى المحامي , فلا أريدك ان تخبر احدا بما حدث هل فهمت ؟ "
فهّم فريد للرجوع للخلف خطوات بسيطة , فبسرعة شديدة امسك روبيرت الهاتف و ألقاه في وجه فريد و نهض ناحيته و دار بينهم شجار فأطلق فريد الرصاصة الأولى فحطمت زجاج المرآة , فوقع روبيرت أمام المرآة و هو ينهج و يحاول التقاط أنفاسه , فامسك قطعة من الزجاج المكسور بيده اليسرى بالخفاء ثم قام بسرعة والتصق بجسده وجها لوجها ثم غرزها في جنبه , فصرخ فريد صرخة مدوية ثم أطلق فريد رصاصة بلا وعي من المسدس فوقع روبيرت ببطء و هو متشبث بجسد فريد ثم سقط ميتا .. تألم فريد بسبب الطعنة التي سببها له السيد روبيرت و هو يتأوه بشدة , فدخلت سوزان و قالت : " ماذا حدث ؟ " فنظرت الى السيد روبيرت فصرخت بشدة فقال فريد بسرعة : " اصمتي ! " ثم أضاف : " لننفذ خطة ب " بعدما عالج فريد جرحه نظر فريد الى ساعة يده فوجدها عند الرابعة و عشرة دقائق مساءا , ثم جلس فريد على إحدى المقاعد قرابة عشر دقائق شارد الذهن بما يريد تحقيقه ...
طلب من سوزان علاج كف يديه اليسرى بواسطة الخيط القطني و كأنها نذبة و عندما انتهت التفت إليها و قال : " انتظريني في الخارج الآن " خرجت سوزان و في عينيها الحيرة لان الأمر خرج خارج السيطرة ..
فشمر فريد عن ساعديه و بدأ في تحقيق جريمته .. التقط قطعة الزجاج و قام بمسح الدماء من عليها ثم رماها مع كوم الزجاج المحطم ثم قام بالبحث عن الرصاصة الأولى التي حطمت المرآة فالتقطها و وضعها في جيبه عدل موضع جسد السيد روبيرت و وضع المسدس في قبضة يديه اليمنى و عدل ذراعيه, و كأنها انتحار ... ثم ترك الخطاب على مكتبه واضح وضوح الشمس , فخرج من الباب و أغلق قبضة الباب بإحكام ثم نزع قفازه الجلدي و قال لسوزان : " لقد تركت الخطاب هنا "
ثم أضاف : " عندما يأتي للتحقيق معك , اختلقي له بأن شخص ما زاره في الساعة الثالثة و النصف عصرا , و أعطيه مواصفات غريبة , مثلا طويل القامة شعره أجعد و هكذا ... و احذري ان تقترب التهمة من سارة , و أعدك بأنها سوف تسجل انتحار " نظر الى ساعة يده فوجدها تشير الى الرابعة و النصف ثم قال : " و الآن اخبري الشرطة بأن سيدك قد قــُتــل .... "