تعال .. نسمع أخبار أصحاب تلك القوافل ماضياً وحاضراً.. تعال .. نأخذ العبرة من قصصهم .. قصص .. ممزوجه بالندم ، والدموع .. قصص .. مليئه بالصور ، والعبر.. يشكو أصحابها قبل الانضمام إلى .. قوافل العائدين .. من الهموم ، والغموم .. مآسي ، وآهات .. غرقوا في لجج المعاصي ، والمنكرات .. فمن .. خمور .. ومخدرات .. وفواحش .. ومنكرات .. وكانت النجاة بالفرار إلى الله ، والانضمام إلى .. قوافل العائدين ..
الخبر الأول : { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ } .. عن أبي هشام الصوفي رحمه الله قال : أردت البصره ، فجئت إلى سفينه أركبها .. وفيها رجل ، معه جاريه ، فقال لي الرجل : ليس ها هنا موضع .. فسألته الجاريه أن يحملني ، ففعل .. فلما سرنا دعا الرجل بالغداء فوُضع .. فقالت الجاريه : ادع ذلك المسكين ليتغدى معنا .. فجئت على أنني مسكين .. فلما تغدينا قال : يا جاريه هاتِ شرابك ، فشرب .. وأمرها أن تسقيني .. فقالت يرحمك الله : إنَّ للضيف حقاً ، فتركني .. فلما دبَّ فيه الشراب .. قال : يا جاريه هاتِ عودك ، وهاتِ ما عندك .. فأخذت العود ، وغنت .. ثم التفت إلي فقال : أتحسن مثل هذا !!.. فقلت : عندي ما هو أحسن منه .. عندي ما هو أحسن منه وخير منه .. قال : قل .. قلت : أَعوذُ بِاللهِ مِنَ الشَيْطَانِ الرَّجِيْم ، بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ { إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ، وَإِذَا النُّجُومُ انكَدَرَتْ ، وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ، وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ ، وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ ، وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ ، وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ ، وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ ، بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ } .. وجعل الرجل يبكي حتى انتهيت إلى قوله : { وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ } .. فقال : يا جاريه اذهبي فأنت حرة لوجه الله تعالى .. ثم ألقى ما معه من الشراب ، وكسر العود .. ثم دعاني ، فاعتنقني ، وجعل يبكي ويقول : يا أخي أترى أنَّ الله يقبل توبتي ؟!.. فقلت : نعم { إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } .. فقلت : نعم { إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ } .. قلت : نعم { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ } .. فتاب .. واستقام .. وتبدل حاله .. وصاحبته بعد ذلك أربعين سنة حتى مات .. فرأيته في المنام فقلت له : إلى ما صرت ؟!.. فقال : إلى الجنه .. فقال : إلى الجنه .. قلت : بماذا ؟!.. قال : بقراءتك علي { وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ } .. قال : بقراءتك علي { وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ } .. فلا إله إلا الله .. كيف سيكون حالي وحالك { وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ ، وَإِذَا السَّمَاء كُشِطَتْ ، وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ ، وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ ، عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ } ؟!.. { يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ } .. فلا إله إلا الله .. إذا نطقت العينان ، وقالت : أنا للحرام ..نظرت .. لا إله إلا الله .. إذا نطقت الأذنان ، وقالت : أنا للأغاني ، والحرام ..استمعت .. ولا إله إلا الله .. إذا نطقت اليدان ، وقالت : أنا للربا والحرام ..أخذت .. فلا إله إلا الله .. إذا نطقت الرجلان ، وقالت : أنا للحرام ..مشيت .. { الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }.. { وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ ، وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ ، فَإِن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ } ..{ فَإِن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ } ..{ وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ } ..
مثّل لقلبك أيها المغرور قد كوِّرت شمس النهار وأُضعفت وإذا الجبال تقلَّعت بأصولها وإذا النجوم تساقطت وتناثرت وإذا العشار تعطلت عن أهلها وإذا الوحوش لدى القيامه أُحضرت فيقال سيروا تشهدون فضائحاً وإذا الجنين بأمه متعلقٌ هذا بلا ذنب يخاف لهوله هذا بلا ذنب يخاف لهوله
يوم القيامة والسماء تمور حراً على رؤوس العباد تمور فرأيتها مثل السحاب تسير وتبدلت بعد الضياء كدور خلت الديار فما بها معمور وتقول للأملاك : أين نسير! وعجائباً قد أحضرت أمور خوف الحساب وقلبه مذعور كيف المقيم على الذنوب دهور! كيف المقيم على الذنوب دهور!
حتى ننجو .. ونفوز .. في ذلك اليوم .. ونفلح .. لا بدَّ من الفرار إلى الله .. بالانضمام إلى .. قوافل العائدين .. قال سبحانه : { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }..
الخبر الثاني : سبحان مغير الأحوال .. قال الرواي : لقد تغير صاحبي .. نعم ..تغير.. ضحكاته الوقوره تصافح أذنيك كنسمات الفجر النديه .. وكانت من قبل ضحكات ماجنه ، مستهتره ، تصك الآذان ، وتؤذي المشاعر .. نظراته الخجوله تنم عن طهر وصفاء .. وكانت من قبل جريئه وقحه .. كلماته تخرج من فمه بحساب .. وكانت من قبل يبعثرها هنا وهناك .. تصيب هذا ، وتجرح ذاك ، لا يعبأ بذلك ولا يهتم .. وجهه هادئ القسمات ، تزينه لحية وقوره .. وتحيط به هاله من نور .. وكانت ملامحه من قبل تعبر عن الانطلاق وعدم المبالاه والاهتمام .. نظرت إليه .. وأطلت النظر في وجهه .. ففهم ما يدور في خاطري فقال : لعلك تريد أن تسأل ماذا غيَّرك ؟!. قلت : نعم ، هو ذاك فصورتك التي أذكرها منذ لقيتك آخر منذ سنوات تختلف عن صورتك الآن !!.. فتنهد قائلاً : سبحان مغير الأحوال.. قلت : لا بدَّ أن وراء ذلك قصه ؟!.. قال : نعم ، وسأقصها عليك .. ثم التفت إليَّ قائلاً : كنت في سيارتي على طريق ساحلي .. وعند أحد الجسور الموصله إلى أحد الأحياء فوجئت بصبي صغير يقطع من أمامي الطريق .. فارتبكت واختلت عجلة القياده من يدي .. ولم أشعر إلا وأنا في أعماق المياه .. رفعت رأسي إلى أعلى لأجد متنفساً .. ولكن الماء بدأ يغمر السياره من جميع نواحيها.. مددت يدي لأفتح الباب فلم ينفتح .. هنا تأكدت .. أني هالك لا محاله .. وفي لحظات ..لعلها ثواني .. مرت أمام ذهني صور سريعه متلاحقه.. هي صور حياتي الحافله بكل أنواع العبث والمجون .. وتمثل لي الماء شبحاً مخيفاً .. وأحاطت بي الظلمات كثيفه .. وأحسست بأني أهوي إلى أغوار سحيقه مظلمه .. فانتابني فزع شديد .. فصرخت في صوت مكتوم : يا رب ..يا رب.. { أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ } .. ودرت حول نفسي ماداً ذراعي أطلب النجاه .. لا من الموت .. الذي أصبح محققاً .. بل .. من خطاياي التي حاصرتني ، وضيقت عليّ الخناق .. أحسست بقلبي يخفق بشده .. فانتفضت وبدأت أزيح من حولي تلك الأشباح المخيفه .. وأستغفر ربي قبل أن ألقاه .. أحسست أن كل ما حولي يضغط عليّ .. كأنما استحالت المياه إلى جدران من الحديد .. فقلت : إنها النهايه لا محاله .. فنطقت بالشهادتين .. وبدأت أستعد للموت .. وحركت يدي .. فإذا بها تنفذ في فراغ ..فراغ يمتد إلى خارج السياره .. وفي الحال تذكرت أن زجاج السياره الأمامي مكسور .. شاء الله أن ينكسر في حادث منذ ثلاثة أيام .. وقفزت دون تفكير .. ودفعت بنفسي من خلال هذا الفراغ .. خرجت من أعماق الماء .. فإذا الأضواء تغمرني .. وإذا بي خارج السياره .. ونظرت ..فإذا جمع من الناس يقفون على الشاطئ .. كانوا يتصايحون بأصوات لم أتبينها .. ولما رأوني نزل اثنان منهم ، وأخرجاني من الماء.. وقفت على الشاطئ ذاهلاً عما حولي .. غير مصدق أني .. نجوت من الموت .. وأني الآن .. بين الأحياء .. كنت أتخيل السياره .. وهي غارقه في الماء .. فأتخيلها تختنق وتموت .. وقد ماتت فعلاً .. وهي الآن راقده في نعشها أمامي .. لقد تخلصت منها .. وخرجت.. خرجت مولوداً جديداً .. لا يمت إلى الماضي بسبب من الأسباب.. أحسست برغبة في الركض بعيداً .. والهرب من هذا المكان .. هذا المكان الذي دفنت فيه الماضي الدنس .. ومضيت .. مضيت إلى البيت إنساناً آخر غير الذي خرج قبل ساعات .. دخلت البيت .. وكان أول ما وقع عليه بصري صور معلقه على الحائط لممثلات ، وراقصات ، ومغنيات .. اندفعت إلى الصور أمزقها .. ثم ارتميت على سريري أبكي.. ولأول مره ..أبكي .. أحس بالندم .. أحس بالندم .. الندم .. على ما فرطت في جنب الله .. فأخذت الدموع تنساب في غزاره من عيني.. وأخذ جسمي يهتز .. وبينما أنا كذلك .. إذا بصوت لطالما سمعته وتجاهلته .. إنه صوت الأذان .. إنه صوت الأذان يجلجل في الفضاء .. وكأني أسمعه لأول مره ..
وجلجلة الأذان في كل حيٍّ منائركم علت في كل ساحٍ
ولكن أي صوت من بلال ومسجدكم من العبَّاد خالي
يقول : فانتفضت واقفاً ، وتوضئت .. وفي المسجد .. بعد أن أديت الصلاه .. أعلنت توبتي .. وجلست أبكي .. وأدعو الله أن يغفر لي خطيئتي .. ومنذ ذلك الحين .. وأنا كما ترى .. قلت : هنيئاً لك الدموع الحاره .. هنيئاً لك الدموع الحاره .. وهنيئاً لك الانضمام إلى .. قوافل العائدين .. قال سبحانه :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً } .. وقال صلى الله عليه وسلم : ( كل ابن آدم خطَّاء ، وخير الخطائين التوابون ) .. قال عمر رضي الله عنه : التوبة النصوح .. أن يذنب العبد ، ثم يتوب ، فلا يعود فيه .. وقال الحسن البصري : التوبة النصوح .. ندم بالقلب .. استغفار باللسان .. ترك بالجوارح .. واضمار بأن لا يعود .. وقال يحيى بن معاذ : علامة التائب : إسبال الدمعه .. وحبّ الخلوه .. والمحاسبه للنفس في كل همه .. اللهم .. اجعلنا من التوابين ، واجعلنا من المتطهرين ، الذي لا خوف عليهم ولا هم يحزنون..
الخبر الثالث : أترضى ان تكون مثل هذا !!.. شاب صالح يقول : كان لي قريب بعيد .. قرَّبه النسب .. وأبعده الدين .. وبحكم إطلاعي على دقائق حياته ، وتفاصيل أيامه .. فقد تأكد لي .. أنه لا يصلي مطلقاً .. ومثله كثير .. نصحته مرات ومرات .. لعله يتعجل في إصلاح أمره .. ويستقيم في صفوف المصلين .. ولكنه كان يقدم ويؤخر .. ويظن أن العمر طويل .. والحياه دائمه .. ( هلك المسوفون ) .. والمُسوف : الذي يقول سأتوب ، وهو مصرّ على الذنب .. كم قلت له : كم ستعيش ؟!. عشرين !!.. ثلاثين !!.. بل ثمانين !!.. ثم ماذا ؟؟!!.. لا بدَّ .. من الرحيل من دار الغرور .. طالت بك الأيام .. أم قصرت عنك الليالي .. وفي ليلة لم يتوقعها .. في ليل مظلم .. استحوذ عليه الشيطان فأنساه ذكر الله .. أطلق قدميه تركض في .. أوحال المعصيه .. وأوزار الجريمه .. ألهته الأماني .. وغرته نسمة الحياة وبهجة الدنيا .. ومثله كثير.. { اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ } .. وفجأه .. على غير موعد .. نزل به نازل .. وطرق بابه طارق .. ولم يكن هذا الضيف .. إلا ليزوره .. هذه المره ..فحسب .. ولكنها زياره ثقيله مؤلمه .. إنه الزائر الذي .. لا يُرد .. حاول .. أن يؤخره .. أن يؤجله .. فلم يستطيع .. أراد أن يتفاهم معه .. فلم يستطيع.. أراد أن يدفعه .. بالدواء .. والطبيب .. بالمال .. والأولاد .. فلم يستطيع .. حاول بكل الوسائل الدفاعيه .. فلم يستطيع .. { حِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ } .. انتهى كل شيء .. هوت .. آمال عظام .. وأحلام كالجبال .. حشرج الصدر .. وضاقت الأنفاس .. وغادرت الروح .. وأمامه .. أسئله صعاب .. وجنة ونار .. ( هلك المسوفون ) .. يقول الشاب : لم يكن هو أول من غادر الحياة بهذه السرعه من أسرتي .. ولم يكن هو الشاب الوحيد الذي فقدناه .. ولكن .. لحياته فجيعه .. ولموته عبره.. وكان يوم موته ، وتغسيله ، والصلاه عليه ، ثم دفنه .. يوماً مشهوراً .. غاب عنه كثير .. وكنتُ أولهم .. فكيف أصلي على من .. حرَّم الله عز وجل ورسوله الصلاه عليه .. لم أصلي عليه .. طاعة .. وعبادة لله .. حتى تمّ كل شيء .. يقول الشاب : ثم اجتمعتُ وأقاربي في مجلس ضمَّ الكثير .. وأكثرهم .. عالم بأمور الدنيا .. جاهل بأمور الدين .. كما قال الله : { يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ }.. فقام أحدهم .. شاهراً سيفه .. ومصوباً سهمه .. ورافعاً صوته باستغراب يملأه الاستهزاء ، وهو يُسمع الجميع : أين أنت عن صلة الرحم ، والقيام بالواجب ؟!. فها هو فلان قد مات ولم نرى لك أثر ، ولم نعلم لك مكان ؟!.. اتجهت نحوي العيون بالعتاب .. وتحركت الأيدي تلوم ، والألسنه تقول : أين أنت عن واجب الصلاه والعزاء ؟!.. وأضاف أحدهم مستهزئاً : تصلي .. وتصوم .. ولا تعرف حقوق القريب .. وواجبات الأسره ؟!.. وأخذ المجلس يتحدث ، ويقول ، وأنا لا أرد عليهم .. حتى إذا أفرغوا سهامهم ، وانتهوا .. قلت للمتحدث الأول بصوت يسمعه الجميع : ما رأيك لو صليت صلاة المغرب أربع ركعات ، هل يجوز ذلك ؟!.. سكت ، ولم يجب ، وهو يحرك حاجبيه ، ويهز يده باستغباء عجيب.. كررت ، وأعدت السؤال ، وطلبت الإجابه منه بصوت مسموع ، حتى يسمع المجلس .. قال لي بعد تكرار السؤال عليه ثلاث مرات : لا يجوز.. قلت له : أحسنت .. هذا أمر الله ورسوله .. فنحن نطيع الله في هذا .. ونطيع رسوله صلى الله عليه وسلم .. إنَّ الكتاب والسنه يأمرانا أن .. لا نصلي على من مات .. وهو لا يصلي .. وسماه .. كافراً.. رفعت صوتي والحق يعلو ولا يُعلى عليه .. وأنا أفرغ سهماً من كنانتي .. هل أسمع .. كلام الله ورسوله ، وأطيع أمرهما .. أم أسمع .. كلامك أنت ، وهراءك .. استدرت نحو المجلس ، وأنا أقول : أُمرنا أن لا نصلي على .. من مات .. وهو تارك للصلاه .. ولا نغسله .. ولا ندفنه في مقابر المسلمين .. ولهذا لم أصلي عليه .. سمعاً وطاعة لله ورسوله .. خيّم صمت على المجلس .. وأُغمدت السيوف .. فقد ظهر الأمر واضحاً جلياً.. { قُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً } .. يقول الشاب : مرت شهور .. فإذا كثير من شباب أسرتنا .. وقد سمع ورأى هذا الموقف .. يعيد حساباته .. ويراجع أفعاله .. ويخشى أن يمر عليه يوم .. لا يجد فيه .. من يصلي عليه .. لقد كان هلاك هذا القريب .. رحمة لمن بعده .. وعبره لمن خلفه .. ولا يزال يتردد في جنبات المسلمين قول الله عز وجل : { وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ } .. وقول المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاه ، فمن تركها فقد كفر ) .. فقل لي بالله العظيم .. كيف حال الشباب اليوم مع صلاتهم .. كيف حال الشباب اليوم مع صلاتهم .. حال عجيبه : قسم .. لا يصلي ، ولا يركع ..لا بليل ولا بنهار .. وقسم .. يُقدم ، ويُؤخر ، وينام .. يصلي متى ما شاء ، وكيفما شاء.. { أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ ، لِيَوْمٍ عَظِيمٍ ، يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } .. أما آن لهؤلاء أن .. ينتظموا في صفوف المصلين .. وينضموا إلى .. قوفل العائدين ..
خلِ الدكار الأربع والظاعن المودع و اندب زماناً سلفا ولم تزل معتكفا كم ليلةٍ أودعتها لشهوةٍ أطعتها وكم خطاً حثثتها وتوبةٍ نكثتها وكم تجرأت على ولم تراقبه ولا وكم غمضت بره وكم نبذت أمره وكم ركضت باللعب ولم تراقب ما يجب فالبس شعار الندم قبل زوال القدم واخضع خضوع المعترف واعصي هواك وانحرف إلى متى تسهو وتنى فيما يضر المقتني
والمعهد المرتبع وخلي عنه ودعِ سوّدت فيه الصحفا على القبيح الشنع مآثماً أبدعتها في مرتعٍ ومضجع لخزيةٍ أحدثتها لملعبٍ ومرتع ربّ السماوات العلا صدقتْ فيما تدّعي وكم أمنت مكره نبذ الحذا المرقع وفهت عمداً بالكذب في عهده المتبع واسكب شآبيب الدم وقبل سوء المصرع ولذ ملاذ المقترف عنه انحراف المُقلع ومعظم العمر فني وليس بالمرتدع
قال بعض الحكماء : تعرف توبة الرجل بأربعة أشياء : أولها : أن يمنع لسانه من فضول الكلام ( من غيبة ونميمة وكذب ) .. ثانيها : ألا يحمل في قلبه حسداً ، ولا عدواة لأحد من المسلمين .. ثالثها : أن يترك أصحاب السوء ، ولا يصاحب أحداً منهم .. الرابع : أن يكون مستعداً للموت .. نادماً على الذنب .. مستغفراً لما سبق من ذنوبه .. مجتهداً في طاعات ربه .. يا من يرى مدَّ البعوض جناحها ويرى نياط عروقها في نحرها اغفر لعبد تاب من زلاته
في ظلمة الليل البهيم الأليل والمخ في تلك العظام النحل ما كان منه في الزمان الأول